المولد النبوي الشريف.. محطةٌ إيمانية ورسالة حضارية للأُمَّـة

البيضاء نت | مقالات 

بقلم / شاهر أحمد عمير

 

ها نحن قد احتفلنا بمولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبهذه المناسبة العظيمة تجددت في القلوب معاني الإيمان، وازدادت النفوسُ يقينًا بصدق الانتماء إلى هذا الدين العظيم. فالاحتفال لم يكن مُجَـرّد طقوس أَو مظاهر عابرة، بل كان إعلانا عمليًّا عن حبنا وولائنا لرسول الله، ورسالة واضحة بأننا أُمَّـة لا تنسى نبيها، ولا تقبل أن تُنتزع منها هويتها مهما تعاظمت المؤامرات.

إن الاحتفالَ بالمولد النبوي الشريف يمثِّل استحضارًا لقيم الرحمة والعدل والتضحية التي جاء بها الإسلام، ويجعل الأُمَّــة أمام مسؤوليتها في الحفاظ على رسالتها وإعلاء مبادئها. ولعلّ هذا البعد هو الذي يفسر خروج الملايين في اليمن وغيرها من الدول الإسلامية إلى الساحات والميادين، معلنين محبتهم للرسول الكريم، في مشهد يثير حنق الأعداء الذين يريدون فصل الأُمَّــة عن هُويتها الإيمانية وقيمها الأصيلة.

هذه الجماهير ليست مُجَـرّد مظاهر احتفال، بل هي إعلانُ موقف جماهيري واضح، يعكس تمسك الشعوب برسولها وتحدّيها لكل الأصوات التي حاولت عبر التاريخ وصف الاحتفال بالبدعة أَو التقليل من شأنه. فالحقيقة أن هذه الأصواتِ لم تزد الناسَ إلا إصرارًا على التمسك بمولد نبيهم والافتخار به؛ لأَنَّ فرحتهم به جزء من عقيدتهم وهويتهم. ومن هنا نقول: من حنق فليحنق، فما لنا بهم مداراة ولا نفاق.

لقد ظلّ مولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على مر العصور رمزًا لهُوية الأُمَّــة وعنوانًا لمكانة النبي في قلوب المسلمين. فهو مناسبة تتجدد فيها معاني القوة والوحدة والصمود، وتُستمد منها العزيمة لمواجهة التحديات الكبرى، خَاصَّةً في ظل ما تتعرض له الأُمَّــة من مؤامرات وانتهاكات مُستمرّة. فالتمسك بسنّة النبي ونهجه هو الطريق الحقيقي للعزة والكرامة، وليس الانجرار وراء مشاريع التطبيع أَو الخضوع للغرب الاستعماري.

هذا العام، ومع استمرارِ العدوان على غزة وصمود الشعب الفلسطيني، تظهر قيمة الاحتفال بالمولد أكثر وضوحًا، فهو ليس ترفًا روحانيًّا فقط، بل دعوة عملية للوقوف إلى جانب المستضعفين، وتجديد العهد مع الرسالة المحمدية في نصرة المظلومين. فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم هو رمزُ المقاومة الحقيقية للظلم والطغيان، وما أشدَّ حاجةَ الشعب الفلسطيني اليوم لأن تتحولَ هذه الذكرى إلى فعل ملموس يترجم نصرة عملية لقضيته العادلة.

وفي اليمن، يحمل الاحتفال بالمولد بُعدًا إضافيًّا؛ إذ يعبّر عن هُويته الإيمانية وصلابة موقفه في مواجهة العدوان الخارجي. وقد أثبتت المسيرات الجماهيرية في صنعاء والمحافظات أن الشعب اليمني يزداد إصرارًا وثباتًا كلما حاول الآخرون النيل من عقيدته أَو استهداف هُويته. فملايين اليمنيين الذين خرجوا يهتفون بحُبِّ رسول الله هم امتداد طبيعي لمشروع صمود أُسطوري، يثبت أن التمسك بالرسول ونهجه يولد قوة لا تُقهر.

ما يميز هذه المناسبة في اليمن أَيْـضًا أنها تحظى بقيادة قرآنية رشيدة ممثلة في السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي، حفظه الله، الذي جعل من ذكرى المولد محطة سنوية لتوجيه الأُمَّــة، وربطها بمبادئ النبي وقيمه. فخطاباته لا تقتصر على الجانب الروحي، بل تتعداه إلى قراءة الواقع السياسي والعسكري، وتقديم رؤية متكاملة تعزز من وعي الأُمَّــة وتحصنها من مخطّطات الأعداء، مذكّرةً الأُمَّــة بأن الاحتفال الحقيقي بالنبي إنما يكون بالاقتدَاء به والسير على نهجه في مواجهة الظلم والطغيان.

نحن؛ إذ نحتفلُ بمولد خير البشر نؤكّـد أن الأُمَّــة ستبقى على العهد مع نبيها، متمسكةً برسالته، ساعية لتجسيد مبادئه على أرض الواقع. فالمولد ليس مُجَـرّد زينة أَو أضواء، بل هو عهد وولاء وتجديد انتماء، وهو موقف واضح في مواجهة أُولئك الذين يريدون حرف الأُمَّــة عن مسارها أَو تضييع قضيتها.

وَإذَا حاول البعضُ زرعَ الفتنة بين الشعوب الإسلامية، فإنَّ الاحتفالَ بالمولد يذكّر بأن وَحدة الأُمَّــة لا تتحقّق إلا تحت راية محمد وآل محمد، وأن عزتها لا تتحقّق إلا بالتمسك بالقرآن ونهج الرسول.

لقد كان رسول الله قائدًا للإنسانية كلها، ومعلّمًا للبشرية طريق الحرية والعدالة، والاحتفال بمولده الشريف هو إعلان ولاء لهذا القائد العظيم وتجديد التزام برسالته.

ولذلك فإنَّ المولد النبوي الشريف ليس مُجَـرّد مظاهر فرح، بل هو إعلان موقف ورسالة حضارية للعالم أجمع، بأن الأُمَّــة حيّة، ولن تتخلى عن رسولها وهويتها مهما عظمت التضحيات أَو تكاثرت المؤامرات