توطين الصناعات المحلية.. مسارٌ استراتيجي يصنعه اليمن بعد ثورة 21 سبتمبر

البيضاء نت | تقرير هاشم علي 

 

يشهد اليمن اليوم واحدة من أهم التحولات الاقتصادية منذ عقود، تحوّلٌ أعاد تشكيل بنية السوق اليمنية، وأطلق مسارًا استراتيجيًا يقوم على توطين الصناعات الوطنية وحماية المنتج المحلي، بعد سنوات طويلة من الارتهان الاقتصادي وسياسات الإغراق الخارجي التي دمّرت الإنتاج الوطني وحوّلت المستهلك اليمني إلى رهينة للواردات الأجنبية.

هذا التحول لم يأتِ مصادفة، بل هو ثمرة مباشرة لثورة 21 سبتمبر التي استعادت القرار السيادي، وفتحت الباب أمام رؤية اقتصادية جديدة، تقوم على قاعدة «نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع»، ترجمةً لتوجيهات قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي يحفظه الله.

القرار المشترك الأول.. نقطة التحول الفاصلة

شكّل القرار المشترك الأول بين وزارتي المالية والاقتصاد والصناعة والاستثمار محطة فارقة في مسار حماية المنتج المحل، فقد مثّل هذا القرار أول خطوة حكومية متكاملة لوقف الاستيراد العشوائي وتنظيم السوق بما يمكّن الصناعات المحلية من التوسع والانتعاش.

القائم بأعمال رئيس الوزراء العلامة محمد مفتاح أكد أن:الإفراج عن البضائع المقيّدة يأتي في سياق تنظيم الاستيراد، ودعم الإنتاج الوطني، وتمكين المصانع المحلية من التوسع.

القرار استهدف تخفيف فاتورة الاستيراد وإعادة توجيه جزء كبير منها إلى الداخل عبر، منع استيراد السلع التي يغطيها الإنتاج المحلي بالكامل مثل: ـ الألبان السائلة، الشعير، الدخن، المياه المعدنية، المناديل الورقية، الأعمدة المجلفنة، الإسفنج، منتجات الحديد، الجنابي والأحزمة…

ـ تقييد استيراد السلع التي تغطيها الصناعة المحلية جزئيًا مثل: العصائر، صلصة الطماطم، المياه الغازية، السكر المكرر، البلاستيك، السيراميك، الحقائب، التعبئة والتغليف.

وزير المالية عبدالجبار أحمد شدّد على أن هذه الإجراءات: «ليست طارئة، بل برامج حماية فعّالة تضع اليمن على طريق الاكتفاء الذاتي».

النهضة الصناعية اليمنية.. مؤشرات عامي 2024–2025

إعادة تشغيل المصانع المتوقفة

خلال العامين الماضيين، أعادت عشرات المصانع المتوقفة نشاطها، بينما شرعت مصانع جديدة في الإنشاء والتشغيل، بعضها بدأ العمل دون إعلان لأسباب تتعلق بالأمن الاقتصادي.. حتى بعض كبار المستوردين اتجهوا للتحول نحو الإنتاج المحلي، بعد إدراكهم أن كلفة إنشاء خط إنتاج لا تتجاوز في بعض الحالات قيمة شحنتين من الاستيراد.

قطاع الملابس.. صعود لافت

2025 يشكل عامًا مفصليًا لقطاع الملابس، حيث:

ـ مصانع وطنية تنتج ملايين القطع

ـ توسع كبير في خطوط الإنتاج

ـ مخازن ممتلئة بالمنتجات المحلية

ـ إعفاءات حكومية عززت من نمو هذا القطاع الحيوي

قطاع الدواجن.. على عتبة الاكتفاء الذاتي

وفق تقرير وزارة الزراعة:

ـ تسويق 2800 طن دواجن محلية

ـ عودة 800 منشأة للعمل

ـ تشغيل 5 مسالخ متوقفة وإنشاء 3 جديدة

ـ التوجه لإيقاف استيراد الدجاج المجمد

ـ اعتماد بدائل أعلاف محلية مثل الدخن

ما يعني أن اليمن بات على مشارف الاكتفاء الذاتي للدواجن خلال أقل من عامين.

لماذا كان التوطين ضرورة وجودية؟

التجربة اليمنية في عهد الشهيد إبراهيم الحمدي تؤكد أن الاقتصاد الوطني قادر على النهوض دون الاعتماد على النفط، إذ شهدت اليمن حينها:

ـ استقرار الدولار عند 4 ريال.

ـ نموًا اقتصاديًا تجاوز 56% عام 1977.

ـ حضورًا فاعلًا للإنتاج المحلي في النسيج الاقتصادي.

بعد اغتيال الحمدي، دخل اليمن مرحلة التدمير الممنهج للإنتاج المحلي عبر سياسات الإغراق والارتهان للخارج، واليوم، تعيد حكومة التغيير والبناء تصحيح هذا الإرث، وتعيد الاقتصاد إلى مساره الطبيعي.

الأساس الفكري للتغيير.. توجيهات قائد الثورة

يأتي القرار المشترك الأول لوزارتي المالية والاقتصاد والصناعة والاستثمار ترجمةً مباشرة للأولويات الوطنية في حماية الاقتصاد وبناء قدرة إنتاجية مستقلة، وهو في جوهره تجسيد عملي لتوجيهات السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي – حفظه الله – التي شدّد فيها مرارًا على ضرورة الاهتمام بالإنتاج المحلي .

وقد أكّد السيد القائد في محاضراته ضمن سلسلة دروس من عهد الإمام علي لمالك الأشتر أن من أهم مسؤوليات الدولة «تنظيم التجارة بما يحفظ مصلحة الأمة ويمنع إغراق الأسواق بالبضائع الوافدة على حساب الإنتاج المحلي».. هذه التوجيهات شكّلت الأساس الفكري والسيادي لمسار التوطين الاقتصادي، والذي تُرجم اليوم إلى سياسات واضحة تمنع الفوضى الاستيرادية، وتعيد للمنتج الوطني مكانته الطبيعية في السوق، وتضع اليمن على طريق الاكتفاء الذاتي والتنمية المستقلة.

قوانين وحماية حكومية شاملة

القائم بأعمال وزير الاقتصاد سام البشيري أكد:«الحكومة والقطاع الخاص شريكان في مواجهة التحديات، وقانون الاستثمار الجديد يوفر حوافز واسعة لحماية المنتج المحلي.»

القانون الجديد يتضمن:

ـ إعفاءات جمركية لمدخلات الإنتاج.

ـ حوافز ضريبية طويلة.

ـ حماية تشريعية للصناعة المحلية.

ـ تسهيلات استثمارية غير مسبوقة.

ـ شراكة حقيقية مع القطاع الخاص.

الصناعة الشعبية.. دور المجتمع في التوطين

افتتاح معارض المنتجات المحلية في صنعاء والمحافظات الحرة شكّل حراكًا جماهيريًا يرسّخ ثقافة الاعتماد على المنتج الوطني، بمشاركة:

110 أسرة منتجة

ـ مشغولات يدوية

ـ ملابس

ـ أغذية

ـ منتجات جلدية

ـ عسل وحبوب

محافظ صنعاء عبدالباسط الهادي وصف هذه الخطوة بأنها: «رسالة واضحة بأن الجبهة الاقتصادية يقظة ومتجهة بخطى ثابتة نحو الاكتفاء الذاتي.»

ثورة 21 سبتمبر.. الجذر الذي أعاد اليمن إلى نفسه

ما يجري اليوم من تحول اقتصادي بفضل الله وثورة 21 سبتمبر التي :

ـ استعادت القرار الاقتصادي الوطني.

ـ حرّرت المؤسسات من النفوذ الخارجي.

ـ نقلت الشعب من مستهلك إلى منتج.

ـ أطلقت رؤية وطنية للاكتفاء الذاتي.

ـ رسّخت قاعدة الاقتصاد المقاوم.

وزير المالية لخص المشهد بقوله: «نعيش اليوم بدايات مرحلة جديدة يمكن أن تعيد اليمن إلى عصره الاقتصادي الذهبي.»

اليمن يدخل عصره الصناعي 

توطين الصناعات الوطنية اليوم لم يعد شعارًا، بل واقعًا ملموسًا يقوم على:

ـ تقليص الاستيراد .

ـ تشغيل آلاف المصانع والمنشآت.

ـ توفير مئات الآلاف من فرص العمل.

ـ بناء اقتصاد متين ومستقل.

ـ تحويل اليمن إلى بلد منتج لا مستهلك.

إنها بداية حقبة اقتصادية جديدة صنعها اليمن الجديد بعد ثورة 21 سبتمبر… حقبة يتحول فيها القرار الاقتصادي إلى قرار وطني خالص، وتتحول فيها اليمن إلى بلد يصنع احتياجاته ويصنع مستقبله بيده.