أطماع متناقضة تُفكك سردية “عاصفة الحزم”.. الرياض وأبوظبي من الشراكة على إدارة العدوان إلى صراع المحتلين على النفوذ وتقاسم الجغرافيا

البيضاء نت | تقرير 

 

لم يعد الصراع داخل المحافظات المحتلة شرقي وجنوبي البلاد، حول تلك الحكاية المبتذلة عن “الشرعية” ولا عن مشاريع “الانفصال” والتشطير البائدة، ولا حول تلك الرواية المزيفة عن “تحرير” و”إعادة دعم ما يسمى الشرعية”. اليوم، وبوضوح الشمس، يسقط الستار الأخير عن الحقيقة الأكثر قسوة: المحافظات المحتلة لم تكن يومًا سوى ساحة لتصفية حسابات بين محتلَين تشاركا ذات يوم في غرفة عمليات واحدة، لينقلبا اليوم إلى خصمين يتقاسمان جثة وطن. المشهد في حضرموت، شبوة، المهرة، وعدن لم يعد يحتمل التأويل؛ إنه تشريح عملي لتحالف العدوان السعودي الإماراتي الذي فقد روحه، وأنكشف زيف كل شعاراته، وتحولت أطرافه إلى أطراف مُحتلة ومتصارعة على النفوذ والموارد، بينما يُدفع أبناء المحافظات المُحتلة شرقًا وجنوبًا الثمن من دمائهم وكرامتهم ومستقبلهم. وفق شهادات سكان محليين وتقارير ميدانية، أسفر هذا الصراع عن عودة الأزمات في المشتقات النفطية وخصوصًا ازمة الغاز المنزلي التي عادت إلى المشهد بالتزامن مع تصاعد الأحداث في المحافظات الشرقية والجنوبية، وتراجع أسعار صرف العملة المحلية في المناطق الواقعة تحت سيطرة حكومة الفنادق، مما يثبت أن الطابع الاستعماري للتحالف لا يرحم المدنيين.

 

لقد قدّمت الأيام القليلة الماضية دليلاً دامغًا لا يقبل الجدل: انسحابات عسكرية مفاجئة لمرتزقة تدعهم السعودية، تمدد لمليشيات تدعمها الإمارات، إغلاق لمطارات حيوية بقرارات خارجية، وصراعات علنية بين أدوات الرياض وأبوظبي، كل هذا يحدث في وضح النهار، مكرّسًا حقيقة أن المحافظات المُحتلة تحولت من “مشروع” مزعوم إلى “غُنيمة” تُقسّم بالمراسلات السرية والصفقات الخلفية. هذا التحول، وفق تحليل ميداني للأحداث الأخيرة، ليس تكتيكيًا عابرًا؛ بل هو النتيجة الحتمية لطبيعة هذا التحالف القائم منذ البداية على تناقضات جذرية في الرؤى والمصالح، والذي لم يجمع أطرافه سوى هدف واحد قصير المدى، قبل أن ينقلبوا إلى تنينٍ ذي رؤوس متصارعة.

 

تصدع الرؤية وتباين المصالح.. حين يتحول التحالف إلى صراع مُحتلين

 

على الأرض، بدأت الإمارات خطواتها العملية نحو الهيمنة المطلقة على المحافظات الشرقية والجنوبية منذ اللحظة الأولى لانقسام التحالف. في شبوة، كشفت الأحداث الأخيرة عن انسحاب مفاجئ للمرتزقة المدعومين من السعودية من عدة مواقع استراتيجية، مما فتح المجال لمليشيات أبوظبي للتمدد والسيطرة على حقول الغاز والموانئ الحيوية. تؤكد تقارير محلية وشهادات سكان أن ما حدث جزء من خطة مدروسة لتعزيز النفوذ الإماراتي على الموارد الاقتصادية الاستراتيجية، لم يكن هذا مجرد تغير تكتيكي، بل خطوة مدروسة لإحكام السيطرة على مناطق الإنتاج النفطي، وتحويلها إلى غنائم اقتصادية تتحكم بها الإمارات بشكل منفرد، متجاهلة كل الاتفاقيات السابقة مع الرياض.

 

وفي حضرموت والمهرة، عكست الأحداث نفس النمط؛ فقد سيطرت مليشيات مدعومة إماراتيًا على مواقع استراتيجية، بما في ذلك نقاط التفتيش والمعسكرات العسكرية، كما تم الاستحواذ على مطار الغيظة الدولي وإدارته بشكل مباشر، وفقًا لتقارير محلية وشهادات سكان. كما أظهرت مصادر محلية أن السيطرة الإماراتية عبر أدواتها ومرتزقتها، امتدت إلى فرض رسوم على الموانئ وإدارة النقل الداخلي للسلع، مما منحها نفوذًا اقتصاديًا مباشرًا على حياة السكان.

 

رد السعودية على هذه الخطوات لم يتأخر، وظهر من خلال عدة إجراءات متزامنة: تعزيز وجود أدواتها في مناطق حدودية قريبة من شبوة والمهرة، فرض سيطرة جزئية على الطرق الحيوية، ومنع وصول الغاز إلى مناطق سيطرة الإمارات عبر مليشيا الإصلاح في مأرب المدعومة من الحكومة السعودية، ما أدى إلى أزمة كهرباء ونقص وقود، وانعكس مباشرة على حياة المدنيين. هذا يوضح أن الصراع لم يعد مجرد تنافس على النفوذ، بل أصبح وسيلة ضغط سياسي واقتصادي على أبناء تلك المناطق.

 

  معركة النفوذ في المحافظات المحتلة

 

ليس الصراع الجاري اليوم بين طرفي العدوان في حضرموت، ولا في شبوة والمهرة، نتاج سوء تنسيق أو خلاف سياسي طارئ، بل هو انعكاس مباشر للأطماع البنيوية التي حملها كل طرف منذ اللحظة الأولى للعدوان، فالمحافظات الشرقية والجنوبية لم تُدر يومًا بوصفها مناطق “محررة”، بل كمساحات نفوذ قابلة للتقاسم أو للانفراد، وفق ميزان القوة بين السعودية والإمارات.

 

وفق ما وثقته وكالة Reuters – رويترز في تقارير متكررة منذ 2018، ركزت الإمارات على بناء نفوذ عسكري وأمني مباشر في الموانئ والجزر والمنافذ البحرية، من عدن مرورًا بشبوة ووصولًا إلى سواحل حضرموت والمهرة. هذا التوجه لم يكن أمنيًا فقط، بل استراتيجية تضمن نفوذًا اقتصاديًا وجيوسياسيًا طويل المدى، بما يتجاوز اليمن نفسها.

 

في المقابل، تحرّكت السعودية منذ البداية وفق منطق مختلف، يقوم على السيطرة غير المباشرة عبر المرتزقة والحكومة التابعة للتحالف، مع التركيز على العمق البري والممرات الحدودية ومناطق النفوذ القبلي. هذا التباين يوضح أن الصراع الحالي ليس عارضًا، بل نتاج طبيعي لتناقض رؤى الطرفين في إدارة الموارد والسيطرة على الأرض.

 

صدامات الأمس تُعيد صياغة المواجهة الحالية

 

ولكي نفهم أن هذا الصراع ليس وليد اللحظة، تكفي العودة إلى ما شهدته عدن وشبوة في أعوام سابقة فقد وثّقت Associated Press – أسوشيتد برس صدامات مباشرة بين مليشيا الإمارات ومرتزقة السعودية، رافقها طرد ممنهج لمكونات موالية للرياض من مواقع حساسة، وفرض أمر واقع جديد بالقوة. هذه الأحداث المبكرة كانت نموذجًا لما يحدث اليوم على نطاق أوسع، مما يؤكد أن الأرض تُدار بمنطق الاحتلال المتنافس، لا الدولة أو السيادة.

 

صراع الغنائم على الأرض تستند الأحداث الأخيرة إلى سلسلة من الوقائع المثبتة التي تؤكد انفراد الإمارات بمحاولات السيطرة على المحافظات الشرقية والجنوبية وفق موقع العربي الجديد، قامت الإمارات بدفع أدواتها المحلية للتمدد في شبوة، واحتكار الموارد النفطية، وفرض إدارة منفردة للموانئ الاستراتيجية، في حين تم تهميش الفصائل والمرتزقة المدعومين من السعودية.

 

رد السعودية لم يتأخر، وشمل تعزيز مواقع المرتزقة في مناطق حدودية، فرض السيطرة على الطرق الحيوية، وقطع الغاز عن مناطق الإمارات، ما أدى إلى أزمات كهرباء ونقص الوقود وحرمان السكان. كل هذه الوقائع تؤكد أن الصراع تحول إلى صراع غنائم اقتصادي وسياسي، بينما المدنيون هم الضحايا المباشرين للتحركات الانفرادية للطرفين، وهو ما تدعمه تقارير محلية وشهادات ميدانية.

 

بهذا المعنى، فإن ما نشهده اليوم هو انتقال تحالف العدوان من مرحلة الشراكة القسرية إلى مرحلة الصراع المفتوح على الجغرافيا، حيث لم تعد الاتفاقيات السابقة صالحة، ولم يعد التعايش بين مشروعين احتلاليين ممكنًا على أرض واحدة غنية بالثروات ومفتوحة على البحر والحدود.

 

انهيار سردية التحالف وتكشّف الأجندات الحقيقية

 

الأحداث التي شهدتها وتشهدها المناطق والمحافظات المحتلة كشفت زيف كل الشعارات الزائفة التي رفعتها السعودية والإمارات لتبرير عدونهما الظالم على الشعب اليمني، وأثبتت أنهما يسعيان من خلال الحرب ضد اليمنيين فقط لتنفيذ أجنداتهما وأطماعهما؛ فلا شرعية لهما ولا هدف لإعادة دولة كما زعما، بل منذ 2015 وحتى اليوم كان الشعب اليمني الضحية المباشرة للقتل والحصار والتدمير. أي محاولات لاستغلال الصراعات الداخلية لصالح أطماع خارجية ستبوء بالفشل أمام إرادة شعب واعٍ وقادر على الدفاع عن نفسه ووطنه.

 

يكشف الصراع الجاري في المحافظات الشرقية والجنوبية عن فشل تحالف العدوان السعودي الإماراتي في تحقيق أي هدف سياسي مستدام، وتحول المشروع المزمع إلى صراع على الغنائم والموارد على حساب الشعب اليمني وسيادته. استمرار التناحر بين أدوات الرياض وأبوظبي يعمّق الأزمة ويزيد معاناة المواطنين، لكنه في الوقت نفسه يكشف هشاشة المشروع الاستعماري وأهمية توحيد الصف الوطني لمواجهة كل أشكال الهيمنة الأجنبية.

 

الدرس الأساسي الذي يترسخ من هذه الوقائع هو أن الشعب اليمني وحده القادر على حماية وحدته وأرضه وثرواته، وأن السيادة الوطنية ليست قابلة للتجزئة أو للتقاسم بين محتلين متصارعين. موقف صنعاء يعكس التزامًا واضحًا بوقف مشاريع التقسيم ومواجهة المرتزقة وأدوات الاحتلال، مع تقديم نموذج للمقاومة السياسية والتنظيمية التي تضع مصلحة اليمن ومصالح مواطنيه فوق كل اعتبار.

 

نقلاً عن موقع 21 سبتمبر