هيمنة المركز السلطوي في كتابة التاريخ الإسلامي

البيضاء نت / مقالات

 

 

بقلم / إبراهيم محمد الهمداني

 

لم يكن مذهب الجبر اليهودي، الذي فرضه معاوية – المنسوب إلى أبي سفيان – على الساحة الإسلامية، هو الرافد الوحيد، في صياغة أبجديات العنصرية والتطرف، في نظرية السياسية الأموية، ومنهجيتها التسلطية في كتابة التاريخ، ليس فقط التاريخ الإسلامي الرسمي، وإنما في تحديد أبعاد الإسهام الحضاري المتطرف باسم الدين الإسلامي، الذي أصبح وصمة عار في تاريخ العرب والمسلمين، بما اقترفه من عمليات القتل والإبادة والتوحش، وسلوكيات الإجرام والإرهاب، بحق معارضيهم أو منتقديهم من أبناء المجتمع الإسلامي، بالإضافة إلى ممارسة التسلط الإجرامي، على الشعوب الأخرى، وتوسيع جغرافيا النفوذ السياسي الأموي، وظهور نماذج سلطوية تسلطية، غاية في الانحراف العقائدي والفكري، والإجرام السلوكي والأخلاقي، لينعكس تطرف تلك النماذج المنحرفة المشوهة، على واقع الحياة السياسية والاجتماعية والفكرية، وصولا إلى تشويه صورة المنجز التاريخي الحضاري، وبالتالي إلصاق كل مثالب الفاعل السياسي، بالدين الإسلامي الحنيف، واتهامه بكل جرائم الانحراف والتطرف والإجرام، كون الحاكم – يزيد المنسوب إلى معاوية – ينتمي إلى ذلك الدين، ويمثله ويحكم باسمه، بينما حقيقة الأمر غير ذلك.

 

إن عدم استقرار نظرية الحكم الإسلامي، من بعد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وعدم التزام المسلمين بنهج ووصية، رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قد أوقعهم في دائرة الحرج والسقوط أكثر من مرة، إذ لم يكن لمنظورهم السياسي، القدرة على تمثيل النموذج السلطوي المركزي، نظرا لمخالفته الصريحة لنص وروح نظرية الحكم، التي قدمها لهم النبي، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وتضمن القرآن الكريم مرتكزاتها وأبعادها، الأمر الذي أسفر عن صيغة معقدة من التدين العلماني الأصولي، الذي أنتج بدوره نظرية سياسية مضطربة جدا، جمعت بين الثيوقراطية والديمقراطية، وهو ما جعل الفعل السياسي يموج بالمتناقضات الصارخة، بين تحريم النفعية الذرائعية، وتجويز انتهاك محظورات الدين والمجتمع، ومحاربة العنصرية العصبية، وتفكيك مقوماتها، وفي نفس الوقت، الاتكاء عليها لتكريس الذات الأموية، بوصفها أنموذجا عصاميا متفردا، وفي موقفهم المعادي للمرأة بشكل عام، استندوا إلى مرجعية دينية يهودية، كما استندوا في رفضهم لقداسة المرأة المعصومة، فاطمة الزهراء سيدة نساء الدنيا والأخرى – عليها السلام – إلى موقف الكنيسة اللوثرية، التي أسقطت قداسة مريم بنت عمران – عليها السلام – في قيمتها الروحية، بحجة استحالة تحقق الشعور الجمعي بالمعجزة، وخلافا لذلك تماما، فقد صنعوا نموذجا للمرأة المثالية القدوة، في شخصية جدتهم، هند بنت عتبة، بوصفها بنت الحسب والنسب، ومثال للمرأة العربية الجريئة القوية، القادرة بحكمتها ورجاحة عقلها، على اتخاذ القرارات الصائبة، في أصعب المواقف، حيث اتخذت قرارها بالانفصال عن زوجها، والالتحاق بأبي سفيان، ونسبة ولدها معاوية إليه، من بين كل أولئك الذين تخاصموا فيه، كما أن كونها من صاحبات الرايات الحمر في الجاهلية، لا يقدح في شرفها وعفتها، لأنها لم تكن لتمارس البغاء العلني، بدافع من التكسب والحاجة إلى المال، وإنما كانت تفعل ذلك بدافع المزاج والرغبة الشخصية، ولم يكن في قتلها، سيد الشهداء حمزة بن عبدالمطلب، ما يمنع دخولها الجنة، ما دامت قد أسلمت وحسن إسلامها، ولم تقف عظمتها عند كونها أم ملك العرب/ كسرى العرب، بل زعموا لها القداسة، كونها أم خال المؤمنين وأمير المؤمنين – معاوية المنسوب إلى أبي سفيان – كاتب الوحي، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، بينما حقيقته وحقيقتها خلاف ذلك تماما.

كان إنتاج وتقديم النماذج المشوهة، إحدى نتائج التناقض الفكري والسلوكي الحاد، الذي بنيت عليه نظرية الحكم الأموي، في استمراريتها عبر التاريخ الإسلامي، وتغلغلها في جميع مجرياته وتداعياته، بذات المستوى من الاضطراب والتعقيد، الذي استحالت معه إمكانية قراءة التاريخ الإنساني، في مسار الإسهام الإسلامي الحضاري، ولم يكن من وسيلة لتفادي ذلك، سوى تعطيل العقل وتكفير التفكير، لكي لا يكتشف ذات يوم، أن حركة الأحداث مرتبطة بحركة الأفكار، في مسار التاريخ الإنساني، وأن حركات الفكر التكفيري المتطرف الارهابية، التي برزت على الساحة اليوم، ليست إلا امتدادا صريحا لانحراف الأمس، في الفعل والفكر سواء بسواء.