الخفاء الذكي

البيضاء نت |  مقالات

 

 

 

بقلم / خلود همدان

 

 

في خضم الصراع المُنتامي، وفي أشد الأعاصير التي تعصف بالمنطقة الإقليمية، أمريكا تضع بصماتها الدموية الرامية إلى زعزعة الأمن وشل الاستقرار في البلدان العربية والإسلامية. وفي أتون التطورات الأخيرة في الساحة الإيرانية عقب الهجوم الإسرائيلي الغادر الممنهج ضدها، لم يكن ذلك ليحدث لولا الولايات المتحدة الأمريكية ومنحها الضوء الأخضر للمجرم الصهيوني، وتقديم الدعم العسكري والاستخباراتي واللوجستي، وغيرها من أشكال الدعم، والسعي الحثيث جدًا إلى تفكيك وتدمير أي قوة إقليمية في منطقتنا العربية والإسلامية، وجرّها إلى حروب استنزاف بهدف إضعافها وكسر إرادتها، وإبعادها عن قضيتها المفصلية والمركزية. ولها مآربها الخفية وأطماعها الكبيرة ونواياها الإجرامية التي تدور حول المنطقة، والتي تهدف إلى السيطرة التامة على هذه الأمة.

 

أمريكا، رعاية الشر ومنبع الإجرام، ومن خلفها إسرائيل وبريطانيا وألمانيا وفرنسا والعالم الغربي، هم الراعي الرسمي والممول الأول لكل هذا الظلم والجبروت في مختلف البلدان العربية والإسلامية منذ عقود.

 

وفي هذا السياق، لا بد أن نُدرك أن السكوت عن المشروع الأمريكي في المنطقة لم يعد مجرد حياد، بل هو تواطؤ صريح. إنّ كل من يغضّ الطرف عن التدخلات الأمريكية، أو يبرر التحالف معها، إنما يُسهم بشكل مباشر أو غير مباشر في تمكينها من تدمير الحاضر واستلاب المستقبل.

 

الولايات المتحدة لا تأتي أبدًا بوجه المنقذ أو الداعم، بل بوجه السيد المتسلط الذي يُملِي شروطه ويُجبر الدول الضعيفة على الانصياع، تحت تهديدات العقوبات أو الفوضى أو الانقلابات. هي لا ترى في شعوبنا سوى أدوات تحركها، وأسواق تستنزفها، وساحات صراع تدير فيها حسابات مصالحها مع خصومها الكبار.

 

ولأن المشروع الأمريكي يقوم على تفتيت القوة، فهي تستهدف إيران لأنها تشكل ثقلًا إقليميًا، وتستهدف اليمن لأنه يحمل مشروعًا تحرريًا، وتستهدف حزب الله لأنه مثال للصمود، وتستهدف كل شعبٍ يرفض الهيمنة وينتصر لقضاياه العادلة، وعلى رأسها قضية فلسطين.

 

اليوم، وقد تكرّست هذه الحقيقة أكثر من أي وقت مضى، فإن الرد على المشروع الأمريكي لا يكون بالاستنكار وحده، ولا بالبيانات الدبلوماسية، بل بتعزيز جبهات المقاومة، وفضح الدور الأمريكي في كل ما يجري، ودعم محور الرفض الذي بدأ يتسع ليشمل قوى وشعوبًا باتت أكثر وعيًا بأن التحرر لا يتم إلا بقطع خيوط التبعية، وبإسقاط الطغاة المحليين الذين خدموا هذا المشروع لعقود.

 

إن الشعوب التي ذاقت ويلات التدخل الأمريكي — من اغتيالات وتفجيرات وحصار وتجويع وإثارة للطائفية — لا بد أن تدرك أن خلاصها يبدأ من فك ارتباطها بهذا المشروع، وبتبني خطاب الصمود والوحدة وبناء القوة الذاتية، سياسيًا وعسكريًا وثقافيًا.

 

أمريكا تسعى لإبقاء شعوب المنطقة في حالة انهيار دائم حتى يسهل السيطرة عليها، والمطلوب الآن أكثر من أي وقت، تحصين الداخل، وفضح الخارج، والرهان على الشعوب، لأنها وحدها التي لم تُهزم بعد، وهي وحدها التي يمكن أن تُسقط الخفاء الذكي وتكشف عُري هذا المشروع التدميري أمام العالم.