إيَّاك نعبُدُ وايَّاك نستعين

البيضاء نت | مقالات

 

 

بقلم / الدكتور عبدالرحمن المختار

 

 

أمة المليارَي مسلم تردّد هذه الآية جماعات وفرادى، بشكل يومي في أوقات مفروضة محدّدة سبعة عشرة مرة، وفوق ذلك تردّدها أغلبية الأُمَّــة مئات المرات في اليوم الواحد، لكن المؤسف أنه لا أثر إيجابي لكل ذلك الترديد في الواقع العملي للأُمَّـة، باستثناء ثلة قليلة من المؤمنين تدرك يقينًا قيمة هذه الآية ومعناها وتعمل على تطبيقها على أرض الواقع، فلا تعبُدُ إلَّا اللهَ حقًّا وصدقًا، ولا تخشى سواه، ولا تعبد من دونه طاغوت الخوف بوصفه إلهًا، كما فعل ويفعل أكثرية الأُمَّــة، ولا تستعين هذه الثلة المؤمنة إلَّا بالله وحدَه دون سواه، في حين يؤكّـد الواقع أن أغلبية الأُمَّــة طلبت العون والحماية من الطاغوت وتناست أن الله هو المعين.

 

والمؤسف أن غالبية الأُمَّــة، إما متهمة للثلة القليلة المؤمنة في إيمانها وإخلاصها العبادة لله سبحانه وتعالى والاستعانة به وحده في دفاعها عن الأُمَّــة ومواجهتها للأعداء، وإما خاذلة لهذه الفئة متنصلة عن واجب نصرتها، وإما خائنة لها متآمرة عليها مع الأعداء، مسخرة لهم مواردها وعدتها وعديدها، لمواجهة الثلة المؤمنة المدافعة عن شرف الأُمَّــة وكرامتها، رغم شحة مواردها وقلة عددها، وليس هذا الحال قصص تروى من غابر الزمان، ولكنها حقائق ملموسة حية ومشاهدة بالعين المبصرة، ومسموعة بالأذن الواعية؛ فما حدث ولا يزال يحدث في قطاع غزة من إبادة جماعية ودمار شامل مشاهد للعيان، يمثل حجّـة على شعوب الأُمَّــة قبل أن ينالها عقاب الله سبحانه وتعالى؛ بسَببِ خِذلانها لمظلومية إخوانها من أبناء الشعب الفلسطيني، وتأمر حكامها عليهم وعلى الثلة المؤمنة المساندة لهم.

 

ولا ينكر أحد تحزب المنافقين الأعراب قبل عقد من الزمان، واجتماعهم الفوري في شرم الشيخ وتقريرهم بحزم ودون تردّد العدوان على يمن الحكمة والإيمَـان، شاهرين ما أمكنهم إشهاره من صنوف السلاح، معلنين بصرامة أن ما حدث في اليمن مخل بأمنهم واستقرارهم، ويستوجب التدخل الفوري دون إبطاء؛ فشنوا دون هوادة عدوانهم خدمة لمن وصفهم الله سبحانه وتعالى بأنهم الأشد عداء للأُمَّـة، وبأن بعضهم أولياء بعض! ورغم أنه لم يشهد أحد بأن إبادة جماعية قد اقترفت في اليمن استوجبت التحَرّك للاقتصاص من مقترفيها، شهامة ونخوة عربية، وعزة دينية وإيمَـانية؛ فكل ما حدث هو إزاحة أولياء اليهود والنصارى وعملائهم، واستعادة ثورة الشعب لسيادة واستقلال البلد، وتخليصه من التبعية والارتهان؛ فثارت لذلك ثائرة أولياء الشيطان فهبوا بأمره لقمع الشعب وثورته، ولإعادة هادي وزمرته إلى سدة الحكم.

 

ولم يفلح المجرمون المعتدون رغم ما أحدثوه من دمار وسفكوه من دم، وحين استنجدت غزة بجوارها خُصُوصًا، وبأمة المليارَي مسلم عُمُـومًا، من هول الإجرام الصهيوغربي بحق الأطفال والنساء والشيوخ والشباب، حينها أضاع الأعراب طريق قمة شرم الشيخ، ولاذ أحسنهم صنعًا بالصمت، وتلبس بعضهم بثوب الخذلان، أما الأسوأ منهم فقد اختار أن يكون شريكًا للمجرمين في إجرامهم بالقول والفعل المتعدد الصور والأشكال، ولم تتعد مخرجات قمم السبعة وخمسين بلدًا إسلاميًّا البيانات العقيمة، المطالبة لما تسميه بالمجتمع الدولي بالتدخل، رغم أن تجمع هذه البلدان يمثل أكبر تجمع بعد جمعية الأمم المتحدة، إلا أنه لا أثر لتجمعها ولا تأثير! رغم سعة الجغرافيا وما تحتويه من ثروات وموارد، يمكنها إن أحسنت توظيفها سيادة العالم، لكنها على العكس من ذلك استعبد شعوبها أعداؤها واستباحوا كرامتها ودماءها وثرواتها ومواردها، وأهدروا سيادتها واستقلالها، وتكتلوا وتحشدوا لإسكات كُـلّ صوت رافض لحالة الذل والخنوع والاستباحة التي جلبها حكام الأُمَّــة لشعوبها، ولقمع كُـلّ من ساند ويساند مظلومية المستضعفين من أبناء الأُمَّــة في قطاع غزة، الذين لم يقدم لهم أُولئك الحكام سوى ما أسموه لعب دور الوساطة، بين مقترف جريمة الإبادة الجماعية وضحاياها، حَيثُ ساهم أُولئك الحكام بوساطتهم في توفير المزيد من المساحات الزمنية للقوى الإجرامية الاستعمارية الصهيوغربية لاستكمال فصول جريمة الإبادة الجماعية بحق أبناء الأُمَّــة.

 

وعملت في ذات الوقت الماكينة الإعلامية الناطقة بالعربية على ترويض شعوب الأُمَّــة لتتقبل مناظر الأشلاء والدماء والدمار، التي تبثها يوميًّا وعلى مدار الساعة لتصبح أمرًا اعتياديًّا لا تأثير له على نفسية ووجدان الشعوب، وامتدت يد الطغيان والإجرام لكل من استشعر مسؤوليته وساند بكل الوسائل المتاحة سواء في اليمن أَو في لبنان أَو في العراق وإيران، حَيثُ بلغ الإجرام ذروته بالعدوان الغادر قبل عشرة أَيَّـام من جانب الكيان الصهيوني ومن ورائه القوى الاستعمارية الغربية وعلى رأسها الشيطان الأكبر الإدارة الأمريكية، ولا يزال هذا العدوان مُستمرًّا ومتصاعدًا على هذا البلد المسلم المجاهد.

 

ومع أن سبب هذا العدوان الإجرامي هو موقف الجمهورية الإسلامية من نصرة مظلومية أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ودفاعًا عن ما تبقى من كرامة الأُمَّــة، غير أن الدول الإسلامية في تجمعها فوق الخمسيني اكتفت بالتنديد ظاهرًا، دونما خطوات حقيقية عملية ملموسة، ناهيك عن أن عددًا من دول هذا التجمع مساند باطنًا للعدوان وداعم له، ومن دول هذا التجمع من يقيم علاقات وروابط مع كيان الإجرام الصهيوني كما هو حال تركيا ومصر والأردن والإمارات وغيرها، ولم تُقنع أي منها جريمة الإبادة بحق أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، لقطع هذه الروابط والصلات مع الكيان الصهيوني، واكتفى البعض من حكام هذه الدول كما ذكرنا آنفًا بلعب دور الوساطة!

 

واليوم ومع تصاعد العدوان على الجمهورية الإسلامية لا تزال هذه الدول تتحدث عن قدرتها على لعب دور الوساطة! ولا تتحدث عن الإسناد والتضامن مع الشعب الإيراني في مواجهة العدوان، والمضحك المبكي في موقف الرئيس التركي، أنه في اتصاله بالرئيس الإيراني أكّـد له قدرته على لعب دور الوساطة! وأكّـد هذه القدرة في لقائه بوزير خارجية إيران في إسطنبول، عقب مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية السبعة والخمسين!

وبرز في عتمة هذه المواقف المظلمة لدول منظمة المؤتمر الإسلامي شعاع موقف من جنوب الجزيرة العربية، انطلق، من يمن الإيمَـان والحكمة، معلنًا التصديَ بحزم لقوى الإجرام والطغيان والعدوان على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والاستمرار في إسناد مظلومية أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة غير آبه بالشيطان الأكبر وكل أعوانه، وكل ما لديه من عدة وعتاد، مستعينًا بالله ومتوكلًا عليه، ومستحضرًا لوعده الصادق جل وعلا القائل وهو أصدق القائلين:﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرض كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا، يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شيئًا، وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾.

 

موقف ينظر بكل ثقة أن إرجاف المرجفين إلى زوال، مهما كان حجم الترويج للمدمّـرات وحاملات الطائرات، وحمولة القاذفات، فكل ذلك سراب أمام وعد الله للصادقين المؤمنين بالنصر والاستخلاف، ووعيده للكافرين الطغاة المجرمين بالخسران المبين في الدنيا والآخرة، القائل جل وعلا:﴿لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مُعْجِزِينَ فِي الأرض، وَمَأْوَىٰهُمُ النَّارُ، وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾.

صدق الله العلي العظيم

ولله عاقبة الأمور.