أمريكا و” اسرائيل” ..شر محض مبنى ومعنى
البيضاء نت | المقالات | محمد البحيصي
لا شيئ يشبه أمريكا أكثر من اسرائيل..ذلك أن اسرائيل هي الابن السفاح لأمريكا..وفي الثقافة الأنجلوساكسونية التي تستمد روحها من الجذور اليهودية فإن أمريكا هي ( أله العصر) وابنه الوحيد هو اسرائيل…ولا شعب لهذا الأله سوى شعب اسرائيل..وهذا الإله وظيفته رعاية وحماية هذا الابن وإبادة أعدائه وطردهم من أمامه..وليس له وظيفة أقدس من هذه الوظيفة..وبها يتبارك الرب ويعلو مجده…..
هكذا هي معتقدات الصهيونية الإنجيلية اللوثرية..وهذه هي طبيعة العلاقة بينها وبين الصهيونية اليهودية…
وأني لأعجب من أناس يدعون الفكر والثقافة ولا يرون هذه الحقيقة..ويتعامون عنها ولا يزالون يتخبطون ويهرفون في لغة التفريق بين أمريكا واسرائيل….
أمريكا هي اسرائيل الكبرى..واسرائيل هي أمريكا الصغرى.هذا على صعيد المبنى والبنية…وأما على صعيد النشأة والآلية والأدوات والأهداف والغايات فهي واحدة استيطانا واحلالا وقتلا وتهجيرا وإبادة لأصحاب الأرض… وسعيا وراء الهيمنة والاستباحة والنهب والتطويع والقهر…
وعليه ..فإذا قلنا : اسرائيل أم الإرهاب ..فأن أمريكا تكون أم أم الإرهاب…
والحقيقة أن شرية أسرائيل ما كانت لتكون على هذا النحو لولا استمدادها من شرية أمريكا..ذلك أن اسرائيل ما كانت لتكون أصلا أو لتبقى طوال هذه العقود لولا أمريكا وخيانات الأنظمة العربية الدائرة في فلكها….
أقول هذا والفئة المؤمنة المجاهدة من أبناء الأمة يواجهون هذا الشيطان ذي الرأسين في معركة مفتوحة يراد لها أن تكون مدخلا للعصر الاسرائيلي فضلا عن العصر الأمريكي….
وفي الوقت الذي تخوض فيه الفئة المؤمنة معركة الأمة بشرف ورجولة ..وبأيمان بالله وثقة به سبحانه وبوعده الذي لا يخلف بنصر عباده المؤمنين..نرى باقي الأمة تعيش حالة الكساح والعجز والذلة والمهانة..وليس ذلك عن قلة في العدد والعتاد ..وأنما هي الردة عن التكليف والواجب الالهي والانتكاس عن طريق الحياة الحرة الكريمة التي أرادها الله..وطلبا للسلامة في ظل حياة العبيد والتبعية والولاء لأعداء الأمة ابتغاء عزة متوهمة تظهر فقط في تنمر حكام وأنظمة العرب على شعوبهم..بينما هم في الواقع ليسوا سوى عبيد لدى أنظمة الكفر والاستكبار….
لقد أثبتت الأيام بأن من كان عدوا حقا لأمريكا فهو حكما والزاما عدو لاسرائيل وبالعكس فإن من كان عبدا لأمريكا فهو عبد لاسرائيل…فطريق أمريكا يوصل بالضرورة إلى اسرائيل وكذلك طريق اسرائيل يوصل لأمريكا..فهما رأسي جسر واحد ذي اتجاهين …ولقد رأينا كيف برهن عرب أمريكا على أنهم أيضا عرب اسرائيل ورأيناهم وهم يهرولون على ذات الجسر جيئة وذهابا….
يحدثنا التاريخ كيف أن الأب الأمريكي هرع لنجدة ابنه الاسرائيلي في كل مرة بسقط فيها هذا الابن…
رأينا ذلك في اليوم الأول لحرب 1973 وقد أيقنت اسرائيل بالهزيمة والسقوط على الرغم من كل ما قيل عن تلك الحرب ودهاليزها والتفاهمات التي سبقتها والاتفاقات التي تبعتها…..
وواقعنا الذي نعيش يرينا ويشهدنا كيف هرعت أمريكا لنجدة ربيبتها يوم السابع من أكتوبر 2023 وقد تهاوت وترنحت أمام ضربات المجاهدين المقاومين من أبناء غزة الفلسطينيين في ( طوفان الأقصى ) الذي أنهى آخر ما تبقى من هيبة للكيان اللقيط وأسقط نظرية الردع التي رواها وروجها لجيشه…ورأينا كيف تقاطر الأمريكان لمواساة اسرائيل ونجدتها والافتخار بصهيونيتهم ودعمهم اللا محدود لها في حرب الإبادة التي تمارسها منذ أكثر من عشرين شهرا بحق شعب غزة أطفالا ونساء وشيوخأ..أرضا وانسانا..على مرأى ومسمع وصمت من هذا العالم الظالم….
ومرة ثالثة تتدخل أمريكا لانقاذ اسرائيل في المواجهة الدائرة مع الجمهورية الإسلامية في إيران بعد تجربتها في مواجهة اليمن التي أفقدتها هيبتها وأرغمتها على الانسحاب..هذه المواجهة التي أعادت التوازن لقوى المقاومة وهي بصدد تصحيح معادلة الاشتباك مع هذا العدو المجرم حيث أدخلت كل اسرائيل في الملاجئ تحت القصف..وأعادت للمستوطنين الغاصبين السؤال الذي يسكن في مراكز وعيهم..حول صيرورة هذا الكيان..وما إذا كان قابلا وقادرا على الاستمرار في هذه الأرض..والى متى ؟ بمعنى آخر أيقظت هذه المواجهة وبعثت الشعور اليهودي المزدوج المشتت بين اسرائيليته الطارئة وجنسيته الأصلية..أي التفكير الجدي بمغادرة الكيان إلى غير رجعة في هجرة جماعية معاكسة..وهذا ما تنبه له العدو فأغلقوا باب مغادرة اسرائيل عبر المطارات وفتحوا باب العودة فقط مما دفع بالألوف من الصهاينة للهرب عبر البحر الى قبرص…وبالمناسبة فإن أغلب الهجرات اليهودية في مراحل تأسيس الكيان كانت تأتي عبر البحر..وها هي بداية عودة التاريخ حيث الهروب والرحيل عن فلسطين عبر البحر وما يحمله هذا الفعل من دلالات….فكما جاءوا عليهم أن يعودوا….كل شئ في اسرائيل توقف في هذه المواجهة مع إيران الاسلام …الحياة تعطلت..عجلة الإنتاج توقفت..المدارس..الجامعات..القطاع الزراعي والاقتصادي والعقاري والمصرفي…والنسيج الاجتماعي تهتك…..اجتاحت فكرة نهاية الكيان كل المستوطنين..والجيش( البقرة المقدسة) بذل سقف وحشيته الأعلى ولكن دون جدوى وهو في نفس الوقت غارق في رمال غزة..ومرتعد في مواجهة اليمن الذي يحاصره بحرا ويقصفه جوا..وهكذا تكبر عوامل فناء الكيان وتجتمع في صعيد المواجهة..والزمن في حروب الاستنزاف الطويلة لا يعمل لصالح الكيان..
وهنا تتدخل أمريكا بشكل مباشر وفج على خط المواجهة ..صحيح أنها لم تغب لحظة عنها ..فكل ما لدى اسرائيل هو من أمريكا..فالطائرات التي تقصفنا أمريكية..والصواريخ والقذائف أمريكية..والدفاعات الجوية أمريكية ..والمعلومات والاحداثيات أمريكية..وفيتو مجلس الأمن أمريكي….الخ..ومع هذا تحاول أمريكا أن تتخفى وراء اسرائيل..أما الآن فلم يعد بالإمكان التخفي لأن الكيان في خطر داهم فظهرت اليد الأمريكية دون تمويه لتنقذ اسرائيل من عجزها وفشلها ورعبها…واليأس من تحقيق أهداف حروبها..
ولكن…هيهات..فقد شربت اسرائيل كأس سم هزيمتها وزوالها الذي بات يسري في جسدها المثخن..ويضغط أكثر على معنوياتها المنهارة..ويحطم ما تبقى لها من مناعة مستوردة…وينسف سرديات الأكذوبة التي أنشئت عليها …..
الدكتور / محمد البحيصي
الكاتب والباحث الفلسطيني