كمين بيت حانون.. عملية معقدة ومركبة تستهدف أخطر كتائب الاحتلال في عمق الميدان

البيضاء نت | تقرير عبد الكريم مطهر مفضل

 

 

وسط تقديرات إعلامية وعسكرية “إسرائيلية” بوجود فشل استخباراتي وتكتيكي أتاح الفرصة لأصحاب الأرض.. نفذت فصائل المقاومة الفلسطينية في بيت حانون واحدة من أعقد العمليات الميدانية التي شهدها قطاع غزة منذ بدء العدوان الإسرائيلي في أكتوبر 2023،  استهدف قوة إسرائيلية تابعة لكتيبة “نيتساح يهودا”، موقعةً قتلى وجرحى في صفوف الاحتلال

العملية، التي وصفتها كتائب الشهيد عز الدين القسام بأنها محكمة ومركبة، جرت على عدة مراحل دقيقة، حيث زرعت عبوات ناسفة شديدة الانفجار في محور تقدم القوات، ليتم تفجيرها في توقيت مدروس، تلاه هجوم ناري مكثف ومباشر من قبل خلية مقاومة منظمة.

وبحسب بيان القسام، فإن الكمين استهدف كتيبة “نيتساح يهودا” للمرة الثالثة داخل بلدة بيت حانون، بعد كميني “الزراعة” و”السكة”، مؤكدة أن الكتيبة تعرضت لضربات قاسية تُعدّ من أخطر العمليات التي تواجهها منذ تأسيسها.

 

توعد بتدمير الكتيبة

 

وتوعدت كتائب القسام في ختام بيانها الاحتلال الإسرائيلي بالمزيد من الضربات، مؤكدةً أنها ستعمل على تدمير كتيبة “نيتساح يهودا” بالكامل إذا واصلت جرائمها ضد الفلسطينيين، مضيفة: “إذا استمرت هذه الكتيبة في إجرامها بحق شعبنا، فإننا نعد العدو بتدميرها وإخراجها من الخدمة العسكرية.”

التحقيقات “الإسرائيلية” كشفت أن الكمين تم تنفيذه باحتراف عسكري عالٍ، حيث جرى زرع العبوات الناسفة قبل ساعات من تنفيذ العملية، وتحديدًا خلال الـ24 ساعة الأخيرة قبل الهجوم، ما يعكس قدرة المقاومة على التحرك في ظروف ميدانية معقدة وفي تحدٍ لعمليات القصف الجوي المكثف التي شهدتها المنطقة طيلة الأسبوع السابق، والتي كان الهدف منها إزالة التهديدات وتأمين الميدان.

وبحسب تلك التحقيقات، فقد دخلت الكتيبة الإسرائيلية إلى منطقة بيت حانون بعد نحو أسبوع من القصف الجوي والمدفعي المكثف، ظنًا من عناصرها أن المنطقة أصبحت آمنة وخالية من التهديدات، إلا أن الكمين وقع بعد نحو ساعة فقط من بدء العمليات البرية للكتيبة.

إذاعة جيش الاحتلال راحت للتفصيل أكثر من خلال التاكيد على أن الكتيبة وقعت في حقل ألغام مزروع بعناية فائقة، إذ انفجرت العبوة الأولى بالقوة المتقدمة، بينما استهدفت العبوة الثانية فريق الإنقاذ، وتبع ذلك تفجير عبوة ثالثة لتعميق الخسائر.

وأعقب الانفجارات هجوم بالأسلحة الرشاشة من قبل خلية القسام، التي فتحت نيرانها بكثافة من بين أنقاض المباني المدمرة، حيث كانت ترصد تحركات القوات لحظة بلحظة.

 

اعتراف بالفشل

 

في أعقاب الهجوم، اضطر جيش الاحتلال إلى الاعتراف رسميًا بوقوع خسائر، معلنًا مقتل خمسة جنود من كتيبة “نيتساح يهودا”، وإصابة 14 آخرين، بينهم حالتان في حالة حرجة، جرّاء تفجير العبوات الناسفة في بيت حانون.

كما أقر المتحدث العسكري لجيش الاحتلال “إيفي دفرين” بوجود فشل استخباراتي وميداني، مؤكدًا أن العملية جرت في منطقة سبق أن خضعت لعمليات قصف مكثف، لكن المقاومة نجحت رغم ذلك في زرع العبوات وتنفيذ الكمين.

وقال “إيفي دفرين” أن: “العبوة الأولى أصابت القوة المتقدمة، والثانية استهدفت قوة الإنقاذ.”، مشيرًا إلى أن التحقيقات أكدت أن خلية المقاومة التي نفذت الكمين كانت تعمل بتكتيك يشبه فرقة مشاة صغيرة، قادرة على تنفيذ عمليات مركبة ومعقدة داخل مناطق يصعب التسلل إليها،  وأن تفعيل العبوات جرى بطريقة تدريجية لإيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا.

وفي مؤشر على حجم الخسائر غير المعلنة، فجّرت مستوطنة “إسرائيلية” مفاجأة مدوية، حين نشرت تغريدة على منصة “إكس”، قالت فيها إنها شاهدت في مستشفى “سوروكا” في بئر السبع أكثر من 20 جثة متفحمة بالكامل لجنود إسرائيليين قُتلوا في كمين بيت حانون.

وقالت المستوطنة التي تُدعى مايسة الرومي: “ما رأيته صادم.. أكثر من 20 جثة متفحمة لم يتبقَّ منها سوى أجزاء صغيرة، النيران التهمت الأجساد بالكامل، صدمة لم أشهد مثلها طوال حياتي.”

تصريحات المستوطنين، حول نتائج الكمين انتشرت كالنار في الهشيم داخل الاحتلال الإسرائيلي، وفجرت جدلاً واسعًا حول مدى مصداقية بيانات جيش الاحتلال، وسط اتهامات للقيادة العسكرية بفرض تعتم إعلامي شديد.

هذه الإفادة التي تم تداولها على نطاق واسع، تثير أسئلة كبرى حول التعتيم الإعلامي الذي تفرضه المؤسسة العسكرية “الإسرائيلية” على خسائرها، في وقت تتزايد فيه الضغوط الداخلية لكشف الحقيقة.

 

ضربة لهيبة الاحتلال

وفي بيان لاحق، علّق الناطق العسكري باسم كتائب القسام، أبو عبيدة، مؤكدًا أن العملية تمثل “ضربة قوية لهيبة جيش الاحتلال ووحداته الإجرامية”، مشيرًا إلى أن الكمين نُفذ في منطقة اعتقد الاحتلال أنها أصبحت “آمنة” بعد دمارها الكامل.

وأضاف أبو عبيدة: “القرار الأكثر غباءً الذي يمكن أن يتخذه نتنياهو هو إبقاء قواته داخل قطاع غزة، وسندفعهم إلى مزيد من الكوارث إن استمروا”.

وتجمع وسائل الإعلام العبرية على أن كمين بيت حانون يُعدّ واحدة من أعقد العمليات التي واجهها جيش الاحتلال خلال عدوانه المتواصل على غزة، وسط تأكيدات أن جيش الاحتلال وقع في كمين استخباراتي وميداني مركّب، بعدما استهان بقدرات فصائل المقاومة الفلسطينية.

وتُظهر إفادات المراسلين العسكريين خاصة مراسل إذاعة جيش الاحتلال أن جيشهم اضطر إلى قصف المنطقة بالدبابات خشية وقوع الجنود في الأسر، مع تأكيدات بأن الميدان لا يزال خطيرًا وصعب السيطرة عليه، رغم محاولات التدمير الممنهج.

 

من هي كتيبة “نيتساح يهودا”؟

صورة أخيرة للكتيبة في بيت حانون

تُعد كتيبة “نيتساح يهودا” واحدة من أكثر وحدات جيش الاحتلال إثارة للجدل والاتهامات، وهي أول كتيبة قتالية مخصصة لليهود الحريديم (اليهود الأرثوذكس المتشددين)، تأسست عام 1999 على يد الجنرال “يهودا دوفدفاني” بدعم من حاخامات “الحريديم” ووزارة الحرب “الإسرائيلية”.

وتهدف الكتيبة إلى دمج الشباب الحريدي غير المنخرط في التعليم الديني ضمن جيش الاحتلال، مع الحفاظ على عقيدتهم ونمط حياتهم المحافظ.

ويتألف أغلب عناصر الكتيبة من “الحريديم” المتشددين، إلى جانب عناصر من جماعة “شبيبة التلال” المعروفة بتطرفها اليميني، وقد تنقلت الكتيبة بين الضفة الغربية والجبهة الشمالية في الجولان، وتشارك منذ مطلع 2024 في العدوان على غزة.

وتُعرف “نيتساح يهودا” بسمعتها السيئة بسبب سلوكها الوحشي تجاه الفلسطينيين، وارتكابها انتهاكات جسيمة، دفعت إلى فتح تحقيقات دولية ضدها، فيما تواجه خطر العقوبات الأميركية، ومن المحتمل حرمانها من الدعم العسكري الأميركي.

 

سجل دموي

خلال السنوات الماضية، تورطت كتيبة “نيتساح يهودا” في سلسلة طويلة من الجرائم بحق الفلسطينيين، ففي أكتوبر 2021، اعتُقل 4 جنود من الكتيبة بتهمة ضرب وتعذيب شاب فلسطيني بعد تكبيله وتعصيب عينيه، إضافة إلى اعتداءات جنسية وصعق كهربائي في مناطق حساسة.

وفي يناير 2022، تسببت الكتيبة في مقتل المسن الفلسطيني عمر أسعد (78 عامًا) في الضفة الغربية، بعد أن اعتقله الجنود عند نقطة تفتيش، وتركوه مكبلًا ومعصوب العينين في البرد القارس داخل مبنى قيد الإنشاء، حيث وُجد لاحقًا جثة هامدة.

ورغم فداحة الجريمة، اكتفت سلطات الاحتلال بتوبيخ قائد الكتيبة وطرد قائد سرية، وأُغلق ملف التحقيق دون تقديم الجنود للمحاكمة، ما أثار غضبًا واسعًا لدى منظمات حقوق الإنسان.

 

فخ دموي.. وكابوس إسرائيلي

 

يؤكد خبراء عسكريون ومراسلون “إسرائيليون” أن كمين بيت حانون يُجسد تحولًا نوعيًا في تكتيكات المقاومة الفلسطينية، عبر استدراج القوات الإسرائيلية إلى ميدان مجهز بعناية، لتنفيذ هجمات معقدة تجمع بين العبوات الناسفة والهجوم الناري المباشر.

وفي ظل التعتيم الإعلامي الإسرائيلي والجدل الداخلي حول حجم الخسائر، تبدو كتيبة “نيتساح يهودا” اليوم في قلب العاصفة، وسط تساؤلات يهودية عن مدى قدرات جيش الاحتلال وجدوى استمرار العدوان البري في غزة، وسط تخوفات من تكرار سيناريوهات أكثر دموية في قادم الأيام.