غزة تحت الحصار: موتٌ متجول في كل زاوية ودواء أغلى من الحياة
البيضاء نت | تقارير
في قلب قطاع غزة، تتكشف اليوم مأساة إنسانية من نوع فريد في التاريخ الحديث. مشاهد التجويع القسري والإبادة البطيئة تتجلى في أبهى صورها، وسط صمت دولي مخيف يتنافى مع القيم الإنسانية. هنا، حيث يتحول البقاء على قيد الحياة إلى معركة، تصبح لقمة العيش نزرًا من الأمل الممزوج بالألم.
مآسي مستشفيات غزة: ارتفاع أعداد الضحايا بسبب الحصار والتجويع
أعلنت وزارة الصحة في غزة عن وفاة 10 حالات جديدة جراء سوء التغذية الناتج عن الحصار المستمر وحرب الإبادة التي تنفذها القوات الإسرائيلية. بذلك يرتفع عدد الوفيات بسبب المجاعة إلى 111 حالة، في مشهد يعكس مأساة متصاعدة. خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية، سجلت المستشفيات 113 شهيدًا و534 إصابة جديدة، ليصل عدد الشهداء منذ 18 مارس 2025 إلى أكثر من 8,300 شهيد، فيما تجاوزت الإصابات 31,000 حالة.
أما حصيلة العدوان الإسرائيلي منذ أكتوبر 2023، فتشير إلى مقتل أكثر من 59,000 شخص وإصابة ما يزيد عن 143,000، في أرقام تكشف عن حجم الكارثة التي تواجهها غزة.
شبح الجوع يتربص بالأطفال والنساء والشيوخ
وجوه ملائكية باتت تذبل أمام شبح الجوع، خاصة الأطفال والنساء وكبار السن. حكاية الطفلة رزان أبو زاهر، ذات الأربع سنوات، تُجسد هذه المأساة: جسد هزيل لا يملك سوى أنفاس متقطعة، وأعين غارقة، وصوت خافت اختفى منذ زمن بعيد. ماتت ببطء تحت أعين أمها وطبيب بلا أدوية، ووسط عالم يراقب ثم يتجاهل.
هذه ليست مأساة فردية، بل سياسة ممنهجة تسمى “الجوع المسلح”، حيث دُمرت المخابز والمزارع، ومنعت قوافل المساعدات. برنامج الغذاء العالمي يؤكد أن ثلث سكان القطاع لم يحصلوا على طعام لأيام، وربعهم يعيش في حالة مجاعة فعلية، في ظل حصار لم تشهده البشرية من قبل.
مآسٍ تتكرر في نقاط توزيع المساعدات
الأكثر قسوة هو استهداف الفلسطينيين حتى وهم يحاولون الحصول على الغذاء، حيث قُتل المئات بالرصاص في نقاط توزيع المساعدات، بينهم أطفال، في مشاهد وصفت بأنها “مجزرة في وضح النهار”. أب يحمل جسد ابنه الملطخ بالدماء، يبكي بصمت، هو صورة صادمة لواقع مأساوي لا يمكن نسيانه.
العالم يتفرج… والخيانة لا تغتفر
وسط هذه المأساة، يقف المجتمع الدولي مكتوف الأيدي، أو متواطئًا. الولايات المتحدة تحمي إسرائيل باستخدام حق الفيتو في مجلس الأمن، وأوروبا تتجاهل الانتهاكات رغم إقرارها بها، وتحول الاتفاقيات الإنسانية إلى شعارات بلا مضمون. منظمة العفو الدولية وصفت هذا الصمت بأنه “خيانة للقانون والضمير”.
هذه المشاركة الدولية في الجريمة ليست مجرد غياب فعل، بل شراكة صامتة تساهم في استمرار المجازر وتجويع الأبرياء.
خذلان المنطقة وأثره الكارثي
على الصعيد الإقليمي، تُغلق الحدود أمام غزة، وتحاصر المساعدات الإنسانية، حيث يرفض معبر رفح فتح ممرات إنسانية حقيقية، في قرار من بعض الحكومات التي تدّعي الأخوة والدم المشترك، لكنها تمارس دور الحارس والسجان.
هذه السياسات تقضي على الأمل، وتقتل ليس فقط الجسد بل الروح، إذ يحرم الصحفيون أنفسهم من الطعام، وينقلون أخبار المأساة وهم جياع.
صمود في وجه الظلام
وسط هذه الكارثة، يبرز صمود الشعب الفلسطيني، الذي يواجه الموت بصبر وأمل. إضراب المتحدث باسم الدفاع المدني الفلسطيني محمود بصل عن الطعام، احتجاجًا على المجاعة، هو تعبير عن إرادة لا تُقهر. وتدعم قوات الشعب اليمني غزة، مما يؤكد أن نضال غزة ليس منفصلًا عن مقاومة الشعوب في المنطقة.
غزة ليست فقط معركة على الأرض، بل مرآة تعكس عارًا إنسانيًا وعالميًا. موت الأطفال جوعًا، وتحويل الغذاء إلى ورقة ابتزاز سياسية، لا يمكن أن يمر بلا محاسبة. كل صرخة، وكل دمعة، هي دعوة لاستيقاظ الضمير الإنساني، لأن كرامة الإنسان لا تُقاس بعدد الأرواح التي تبقى بل بمدى احترامها وحمايتها.
المصدر: وكالات