غزة..لا مصاب أكبر من خذلان الأمة
البيضاء نت | مقالات
بقلم / عبد الإله عبد القادر الجنيد
لا جرم أن خذلان خير أمةٍ للناس أخرجت، وبخير دينٍ وخير كتابٍ وخير رسولٍ من الله أكرمت، إلا أن تكون لعهد الله وميثاقه نقضت، ولتوجيهاته خالفت.
فما ظنك بأمةٍ اختصها الله بنعمه فجحدت، وعلى أعقابها انقلبت، ولقرآنها هجرت، ولأعلامها حاربت، ولقضاياها خانت، وعن المستضعفين في غزة والضفة تخلت، ولمقدساتها تركت، وإلى أحضان أعدائها سارعت، ولهم تولت.
وحري بأمةٍ أولاها الله سبحانه وتعالى بكل مقومات القوة والعزة والمجد، وحباها بسننه التي باتباعها تحقق النصر والتمكين، أن تمضي وفقًا لسنن الله حتى تحظى برعاية الله لها ونصره وتأييده.
فلا تجحد نعم الله عليها وتتولى على أدبارها؛
إلا أمةً ضربت عليها الذلة والمسكنة، وباءت بغضبٍ من الله.
فكره الله انبعاثها وثبطها بعد أن استنفرت لنصرة المستضعفين في غزة، فلات بالصمت ولإخوانها في الدين خذلت، وعن مسؤوليتها أمام الله تبرأت.
إنها أمة العروبة والإسلام التي يغض زعماؤها الطرف عن جرائم الاحتلال الصهيو-أمريكي في غزة، الإباء والصمود والشموخ والصبر على الكرب العظيم.
أفإن كانت قلوب أولئك الزعماء الأوغاد قد امتلأت على المجاهدين في غزة بالأحقاد، فذلك أن المحتل الغاصب قد كبلهم بالأصفاد.
وما عساهم يقولون لله ربهم يوم التناد إذا جيء بهم وخصومهم المستضعفين الأبرياء يوم تقوم الأشهاد، فلبئس المهاد.
ولم يكن الرهان عليهم قط، بل على الله القهار، وعلى شعوب الأمة وعلمائها ونخبها وأحرارها الذين تبين أنهم باتوا أسوأ من حكامهم بإحجامهم عن نصرة غزة.
فقد كان المعول عليهم التحرك واتخاذ المواقف الفاعلة وحشد الملايين في كل الساحات والميادين،
ثم ممارسة الضغوط على حكوماتهم لفتح المعابر والحدود وتقديم الدعم والإسناد لغزة؛ لا أن يتركوا إخوانهم يواجهون قدرهم ومصيرهم بالإبادة الجماعية، سواء بمذابح ومجازر القصف والقتل الجماعي، أو بمجازر التجويع والتعطيش حتى الموت.
ولا سيما أحرار الشعب المصري والأردني والسوري. ولكن موقف علماء الأزهر جاء مخيبًا لآمال الأمة بأسرها.
ناهيك عن الدور المفترض لأحرار نجد والحجاز بممارسة الضغوط على حكومتهم لفتح الحدود للشعب اليمني للتحرك البري إلى فلسطين وغزة والالتحام مع إخوانهم الفلسطينيين لقتال المحتل الغاصب جنبًا إلى جنب وكتفًا بكتف.
فهل أضحت ضمائر شعوب الأمة ونخبها خاويةً على عروشها، منزوعة المروءة والكرامة والشمامة والرجولة والبطولة، وحمية الدين والإنسانية، حتى تتنصل عن مسؤولياتها بكل تعمدٍ وإصرار؟
ولكأنهم أمواتٌ فلا حياة لمن تنادي.
إن أمةً ثارت على حكامها في ثورات الربيع العربي، وهبت إلى الميادين والساحات بالملايين وقدمت التضحيات الجسيمة، أولى بها أن تهب اليوم إلى الساحات نصرة لمظلوميةٍ هي الأفضع في التاريخ.
فلطالما استنفرها أعداؤها لإعلان الجهاد والقتال ظلمًا وبغيًا وعدوانًا على الإخوة في الدين؛
فجادت بالنفس والمال خدمة لأعدائها، وهبت بكل جدٍ وتفانٍ وإخلاصٍ لتحقيق رغبة الأعداء في تفتيت وتفريق وتمزيق عرى الأمة، بدلًا من لم شملها وتوحيد صفها لمواجهة كل المخاطر المحدقة بها من الأعداء المتربصين بها كل حين.
بيد أن الأصل ألا تستنفر الأمة للجهاد في سبيل الله إلا نصرةً للحق والمستضعفين المظلومين، ورد كيد الكائدين، وقتال المحتلين المتجبرين الغاصبين والمعتدين الظالمين؛ استجابةً لتوجيهات الله رب العالمين في القرآن الكريم.
فأين أنتم اليوم يا شعوب أمتنا من رسول الله وهو يقول للمسلمين يوم هتك عرض مسلمةٍ: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة»؟
وأين أنتم من كتاب الله وأنتم تتلون آيات الله وهو يقول:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ﴾؟
ألم يأن لشعوب الأمة وأحرارها ومثقفيها وعلمائها أن يتأسوا بالشعب اليمني الحر الكريم العزيز في دعم وإسناد غزة بكل إيمانٍ ويقينٍ بنصر الله الموعود وعزمٍ وثباتٍ وصدقٍ وشموخٍ وإباءٍ، باذلين في سبيل الله كل التضحيات مهما عظمت؛ فهذا خيارٌ لا عودة عنه ولا تراجع؟
وإلا فلا عذر لهم أمام الله، وعليهم أن يستفيقوا من غفلتهم وسباتهم وينهضوا بمسؤولياتهم إزاء غزة وفلسطين.
وهذا ما ينبغي عليهم قبل فوات الأوان، وقبل أن يقضي الله أمرًا كان مفعولًا وقبيل أن يغلق باب التوبة عليهم؛ فيبوءوا بالخسران المبين، ويكرم الله عباده الصالحين الصابرين المؤمنين المجاهدين بالفتح الموعود والتمكين والنصر المبين.
وسيعلم الذين لاذوا بصمتهم عن جرائم المحتل المجرم الظالم الآثم اللعين، وخانوا وتآمروا وتخاذلوا وظلموا إخوانهم في غزة وفلسطين طاعة لقوى الهيمنة والطغيان، أي منقلب ينقلبون.