اليمن من رماد الحصار إلى قلب المعركة.. شعب يكتب المجد في زمن الخذلان
البيضاء نت | تقارير
في زمن تخاذلت فيه كثير من الأنظمة، نهض الشعب اليمني من بين ركام الحرب والحصار، ليجسّد أعظم صور الإباء والولاء لقضايا الأمة، وفي مقدمتها فلسطين. من جبال صنعاء وصعدة وتعز، حتى قلب البحر الأحمر، صدح اليمنيون باسم غزة، وهتفوا للقدس، مؤكدين أن الكرامة لا تُشترى، وأن الشعوب الحية لا تموت.
في أكثر من 1,300 ساحة في أنحاء اليمن، خرجت الحشود تحت المطر والبرد، تُجدد العهد مع فلسطين، وترفع رايات غزة في مشهد أشبه بالأساطير. الهتافات لم تهدأ، والأقدام لم تتراجع، وكأن زخات المطر كانت تعمّد هذه المواقف بطهرٍ نادر، لا يُمكن للخذلان أن يلوثه.
رغم الجوع والحصار وشظف العيش، كان اليمنيون في مقدمة الصفوف، يهتفون: “دمنا مع غزة.. وأرواحنا فداء القدس”. لم تكن مجرد تظاهرات عابرة، بل موقف إنساني راسخ، ورسالة مدوية إلى العالم بأن اليمن، رغم أوجاعه، ما زال يحرس كرامة الأمة ويفرض معادلات جديدة على الأرض والبحر.
صوت اليمن.. أقوى من الجوع وأعلى من الصمت
في الوقت الذي راهن فيه كثيرون على انشغال اليمن بأزماته، فاجأ هذا البلد الصامد العالم، وارتقى بموقفه من التضامن الشعبي إلى الإسناد العسكري الفعلي. لم يكن صوته صرخة في الفراغ، بل صاروخًا في سماء “إيلات”، وطائرة مسيّرة تعبر البحر نحو مواقع العدو.
منذ نوفمبر 2023، دخل اليمن ساحة المواجهة المباشرة مع الكيان الصهيوني، معلنًا ضربات دقيقة باتجاه أهداف عسكرية إسرائيلية، بما فيها “أم الرشراش” (إيلات)، ما أجبر العدو على تعزيز منظوماته الدفاعية، وأربكه استراتيجيًا. هذا التحوّل الجريء، وصفه قائد أركان العدو بقوله: “هجمات اليمن كانت خارج توقعاتنا وشكلت تهديدًا استراتيجيًا غير مسبوق”.
وفي البحر، فرض اليمن حصارًا فعليًا على موانئ الاحتلال، ما أدى إلى تغيير مسارات كبرى السفن العالمية، وتراجع شركات كبرى عن التعامل مع مرافئ فلسطين المحتلة. وتمضي القوات المسلحة اليوم في تنفيذ المرحلة الرابعة من الردع، والتي تقضي باستهداف أي سفينة تتبع شركة تتعامل مع العدو، بصرف النظر عن جنسيتها.
من المحاصَر إلى المُهاجِم: اليمن يُعيد تعريف موازين القوة
لم تردع حاملات الطائرات الأمريكية اليمن، ولم تُرهبه التهديدات المتكررة. بل ازدادت عملياته جرأة، حتى اضطرت واشنطن إلى تقليص وجودها في البحر الأحمر، وسعت للتفاوض غير المباشر مع صنعاء لتجنيب سفنها خطر الضربات البحرية اليمنية.
أمام عجز الحليف الأمريكي، حاول العدو الصهيوني شن غارات مستقلة على اليمن، لكنه واجه ردًا صاروخيًا أربك طائراته المتطورة، ما دفعه للجوء إلى أدواته القديمة من المرتزقة والخونة، في محاولة لخلخلة الجبهة الداخلية. لكن اليمن، الذي صمد عشر سنوات في وجه العدوان، لم ولن يسمح بإعادة إنتاج ذات السيناريوهات.
وأكد قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي أن الجاهزية العسكرية في أعلى مستوياتها، وأن أي محاولة لإثارة الفتنة الداخلية ستُواجَه بحزم، داعيًا العملاء إلى الاتعاظ من مصير أدوات أمريكا وإسرائيل الذين سقطوا تحت أقدام الشعوب.
اليمن.. المعجزة التي أربكت العالم
ما يحدث اليوم ليس تضامنًا فحسب، بل اشتباك مباشر ومشاركة في معركة المصير. اليمنيون لم يتأثروا بأوجاعهم، بل حوّلوها إلى سلاح ردع، يرسم خرائط جديدة في الجغرافيا السياسية للمنطقة. تحوّل اليمن من بلد محاصر إلى قوة إقليمية مهابة، تعيد تعريف مفهوم الردع، وتُثبت أن من يملك الإيمان والقيادة والمشروع، لا يمكن أن يُقهر.
صحيفة “الغارديان” البريطانية قالتها بوضوح: “اليمن قلب الموازين في البحر الأحمر، وفرض معادلة ردع جديدة جعلت إسرائيل تعترف به كخطر استراتيجي.”
أما الخبير الأمريكي مايكل هانا فأكد: “اليمن أصبح شوكة في خاصرة أمريكا، رغم الحصار، وهو نموذج مذهل لصناعة القوة من قلب المعاناة.”
من اليمن تبدأ المعركة ومنه يُكتب النصر
ليس غريبًا أن يكون اليمن اليوم في طليعة الأمة، يقاوم من أجلها ويقاتل نيابةً عنها. فمن أرضٍ مزّقتها الحروب، خرجت قوة لا تُقهر، تكتب المجد بصواريخها، وتسترد شرف الأمة من بين أنقاض الصمت والخذلان. ومن وقف تحت المطر يهتف لفلسطين، لن تهزمه عاصفة، ولن تنال منه خيانة.