الموتُ الآخر

البيضاء نت | مقالات 

بقلم / د. عبدالرحمن المختار

 

 

منذ ما يقرُبُ من عامين، وأمّةُ المليارَين مسلم تتفرّجُ على ما يتعرض له أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة من إبادة جماعية بوسائلَ وأساليبَ متعددةٍ ومبتكرة، يؤدّي دور المجرم المتوحش الذي فاقت وحشيتُه وحشيةَ الغاب الكيانُ الصهيوني بوصفه المباشِرَ لأفعال الجريمة، ويشاركه فيها عدد من القوى الاستعمارية الغربية بصور متعددة تولّت كِبْرَها الإدارة الأمريكية.

 

ومع أن الطابعَ العام لشعوب الأُمَّــة الإسلامية وحكوماتها هو الخِذلان، رغم تكرّر الاستغاثات من الملهوفين في قطاع غزة يوميًّا وعلى مدار الساعة، لكن دون جدوى، إلا أن بعض الأنظمة الحاكمة في الدول الإسلامية، عربية وغير عربية، لها مواقف تجاوزت مُجَـرّد الخذلان، وارتقت إلى مستوى الشراكة في الجريمة!

 

فعدد من الدول الإسلامية، عربية وغير عربية، عملت ولا تزال تعمل إلى اليوم على إمداد الكيان الصهيوني بمختلف الاحتياجات، وبعضها تنقل سفنها شحنات السلاح، كما هو الحال بالنسبة للسعوديّة، ناهيك عن نقل مئات الشحنات من مخازن القواعد الأمريكية المتواجدة في المنطقة في عدد من الدول العربية، منها قطر والكويت والإمارات والسعوديّة والبحرين.

 

ولم يقف الحال بعدد من الدول العربية عند حدِّ تزويد الكيان الصهيوني المجرم بمختلف أنواع المؤن اللازمة لاستقرار وضعه الداخلي، ونقل سفنها لشحنات السلاح المستخدم في إبادة أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، بل إن الأمر تعدّى ذلك بكثير، فدولة الإمارات ودولة قطر ومملكة آل سعود ساهمت بشكل كبير في تمويل قيمة صفقات القنابل والصواريخ التي دمّرت بنية غزة وبنيانها، وأبادت سكانها!

 

فقد ذهبت نسبةٌ كبيرة من الترليونات التي احتلبها المجرم ترامب من الثلاثي النفطي الخليجي: الإمارات وقطر والسعوديّة، إلى الشركات الأمريكية المنتجة للقنابل والصواريخ والمعدات العسكرية، التي زوّدت بها الإدارة الأمريكية الكيان الصهيوني المجرم، ولأجلها استُنزف المال العربي، وبها سُفك الدم العربي!

 

ولم يقدّم الثلاثي النفطي الخليجي: الإمارات وقطر والسعوديّة، لأبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة سوى القنابل والصواريخ التي تنتزع الأرواح وتمزّق الأجساد إلى أشلاء، إلى جانب تشنيع الماكينة الإعلامية القذرة التابعة لذلك الثلاثي الخليجي النفطي بالقوى الإسلامية الحرة في اليمن ولبنان والعراق والجمهورية الإسلامية، التي عملت ولا تزال تعمل جهدها لإسناد مظلومية أبناء الشعب الفلسطيني.

 

ولم تسْلَمْ حتى المقاومةُ الإسلامية في قطاع غزة من التشنيع والتشويه من جانب بعض الوسائل الإعلامية التابعة لتلك الماكينة الإعلامية الإجرامية (العربية والحدث)، التي تتحدث في تغطياتها وتناولاتها الإعلامية بشكل عابر عن مقتل عدد كذا من سكان قطاع غزة، دون الإشارة إلى تفاصيل الجريمة ومَن وقعت عليهم، وكأنها تتعاطى مع أرقام لعسكريين سقطوا في مواجهات ليس على كوكب الأرض، بل على كوكب آخر بين دولتين في نزاع مسلح أسبابه غير مفهومة!

 

وإذا كان مَن يموتون في قطاع غزة جوعًا وعطشًا، أو بالاستهداف المباشر بواسطة آلة الإجرام الصهيونية من الجو أو البر أو البحر، فإنهم لا يموتون، بل يرتقون شهداء في سبيل الله في أكبر مظلومية في تاريخ البشرية، لا حصر للمجرمين المشاركين فيها، ولم تقتصر الشراكة في هذه المظلومية على الأعداء، بل شملت الإخوة في الدين والدم واللغة والتاريخ والمصير المشترك.

 

وما جرى ويجري في قطاع غزة، وفقًا لنظرة سطحية دنيوية، موت بعزة وشرف ولمرة واحدة! غير أن ما جرى ويجري للفلسطينيين في قطاع غزة، وفقًا لنظرة يقينية دينية عميقة، ارتقاء وشهادة وحياة أبدية عند مليك مقتدر.

 

أما موت العار، الموت المتكرّر، والموت المتجدّد يوميًّا، فهو للأُمَّــة الصامتة المتنصّلة عن واجباتها الجهادية الدينية والإنسانية. ذلك الموت هو موت الإخوة، موت الضمير، موت الغيرة، موت النخوة، موت الشهامة، موت الكرامة، موت العزة، موت الرجولة، موت الشجاعة، موت الإنسانية، موت القيم.

 

موت الأحياء الأنذال الجبناء لا يُقارن بحال من الأحوال بحياة الأموات الأحرار في قطاع غزة، الذين رفضوا المساومة على التهجير من وطنهم في مقابل حياة الذل والمهانة، وفضّلوا أن تُراق دماؤهم وتُقطّع أجسادهم أشلاء على تراب وطنهم. إنهم الأحياء حقًّا وصدقًا، وغيرهم الأموات وإن كان موتهم موتًا من نوع آخر!