الأمم المتحدة تمهّد، وواشنطن تُخطط .. هل بدأ تنفيذ مشروع تقسيم اليمن؟

البيضاء نت | تقرير 

 

في لقاء له مع مركز “سوث24″، كشف المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، عن جملة من الرسائل المشفرة والواضحة في آنٍ، تعكس التوجهات الفعلية للجهات الدولية الفاعلة، وعلى رأسها الولايات المتحدة، فيما يتعلق بمستقبل اليمن، وبالأخص القضية الجنوبية. وقد بدا جليًا من تصريحاته أن خارطة الطريق التي يُراد فرضها على اليمنيين تحمل في طيّاتها توجهاً نحو فصل الجنوب عن الشمال، لا كمجرد حلّ مرحلي، بل كجزء من إعادة رسم جيوسياسي مدروس يستجيب لمصالح استراتيجية دولية، أهمها السيطرة على الثروات اليمنية والموقع الجغرافي الحاسم.

 

جنوب اليمن .. جوهر المفاوضات الخفية

رغم محاولة غروندبرغ تقديم نفسه كمجرد وسيط، إلا أن تأكيده المتكرر على أهمية تطلعات الجنوبيين للاستقلال أو تقرير المصير يكشف عن تبنٍ أممي – وربما أمريكي – ضمني لخطاب الانفصال، تصريحات المبعوث لم تكن اعتباطية، بل أتت في سياق دقيق، مرحلة تجميد سياسي، وغموض إقليمي.

اللافت أن غروندبرغ تحدث عن مظالم متجذّرة، وأشار إلى أن معالجة هذه القضية يجب أن تكون عبر عملية سياسية لا تستبعد هذه القضايا، وهو ما يفتح الباب أمام سيناريوهات تقسيم ناعم برعاية أممية، وبما أن العملية السياسية مؤجلة، فإن من الواضح أن واشنطن، عبر القنوات الأممية، تمهّد لفصل الجنوب كأمر واقع، دون إعلان رسمي، ولكن مع ترتيب سياسي يُبرّر ذلك لاحقًا.

 

الولايات المتحدة .. الشريك الصامت في لعبة التقسيم

من خلال تتبع تصريحات غروندبرغ، لا يصعب استنتاج أن هناك دورًا أمريكيًا محوريًا يقف خلف الدفع بمسألة الجنوب نحو الواجهة. فالتاريخ يؤكد أن واشنطن لا تتحرك في مناطق النزاع فقط لأهداف إنسانية، بل وفق مصالح جيواقتصادية واستراتيجية. وجنوب اليمن، بثرواته النفطية وموانئه الحيوية وموقعه على مضيق باب المندب، يُشكّل أحد أبرز هذه المصالح.

التحركات الأمريكية تتخذ شكل دبلوماسية ناعمة عبر الأمم المتحدة، ولكن جوهرها استراتيجي، تفكيك اليمن تحت لافتة الحلول السياسية، لتأمين موارد الطاقة والممرات المائية، وإضعاف أي قوة إقليمية ،دعم مجلس انتقالي جنوبي مسلح ومنظم، مع إبقائه خارج السيطرة الكاملة لأي سلطة مركزية، يُمثّل أداة أمريكية فاعلة لتأمين وجود دائم غير مباشر في المنطقة.

 

القضية الجنوبية .. ورقة تفاوض أم خطوة في مشروع احتلال؟

بالنسبة للأمم المتحدة، لا يبدو أن قضية الجنوب تُطرح من منطلق وحدة أو إصلاح سياسي شامل، بل من منطلق إعادة تشكيل اليمن بما يخدم التوازنات الدولية،  فالمبعوث ، لم يتحدث عن إعادة هيكلة الدولة اليمنية الموحدة، بل ركّز على حق الجنوبيين في “تقرير المصير”، وهو تعبير محمّل بالدلالات القانونية والسياسية، وهنا، يُطرح تساؤل: هل أصبح الجنوب مجرد “ورقة” تفاوضية للضغط على الشمال؟ أم أنه نقطة ارتكاز لمشروع تقسيم استراتيجي سيقود لاحقاً إلى نشوء كيانات متشظية، تُدار عبر الوصاية الدولية، وتُسخّر ثرواتها لصالح أطراف خارجية؟

 

المجتمع المدني والشباب والنساء .. تلميع الصورة؟

لم يخلُ لقاء المبعوث من لغة “السلام الشامل” و”الشراكة المدنية” و”تمكين الشباب والنساء”، وهي شعارات يُعاد تكرارها منذ سنوات دون تطبيق ملموس، هذه التصريحات تبدو تجميلية في ظاهرها، لكنها أداة لتوفير غطاء أخلاقي للمخططات الكبرى، إذ أن إشراك المجتمع المدني يُستخدم غالباً لإضفاء الشرعية على عمليات سياسية صاغتها قوى أجنبية سلفاً، ويتم فيها استدعاء الفاعلين المحليين لتأكيد الدعم الشعبي المفترض.

 

التوقيت والبيئة .. ولكن لمن الزخم؟

أكد غروندبرغ أن “التوقيت والبيئة” مهمان لاستئناف المفاوضات، لكنه لم يُجب بشكل مباشر عن مصير وحدة اليمن، ما يعني أن الزخم يُبنى بهدوء باتجاه مشروع لا يُفصح عنه علناً بعد، البيئة التي يصفها لا تبدو بيئة سلام، بل مرحلة إعداد لفرض أمر واقع جديد، ربما يتبلور في الفترة المقبلة، خصوصًا في ظل تزايد الانخراط الأمريكي في الملف اليمني مؤخرًا، وتنسيق واشنطن مع قوى إقليمية فاعلة.

 

مشروع التقسيم في ثوب الشرعية الأممية

لقاء المبعوث الأممي الأخير ليس مجرد حديث دبلوماسي، بل نص سياسي يحمل بين سطوره إشارات خطيرة إلى أن مسار تقسيم اليمن بات أقرب إلى التنفيذ، بدعم أمريكي صامت وغطاء أممي ناعم. قد يُطرح الانفصال في البداية كحل “مرضي” لمظالم الجنوب، لكنه سيُفتح على مشهد أوسع من التفتيت، لن يُبقي من اليمن إلا خريطة ممزقة بثروات منهوبة وسواحل محتلة بأدوات قانونية، اليمنيون اليوم أمام لحظة مفصلية، إما الانتباه إلى المخطط الذي يُحاك تحت لافتة السلام، أو الوقوع في فخ دولة بلا سيادة، مُشتتة بين كيانات ضعيفة تحت رعاية أجنبية.

 

المصدر: موقع يمانيون