رصاصات الاغتيال لا تقتل المبدأ: صنعاء تصنع من مأساة اغتيال القادة دافعًا لتثبت موقفها الجهادي تجاه غزة
البيضاء نت | تقرير
في لحظة مأساوية تجسدت فيها بشاعة العدوان الصهيوني على اليمن، ارتكبت قوات الاحتلال جريمة غادرة استهدفت اجتماعًا حكوميًا في العاصمة صنعاء، أزهقت أرواح رئيس الحكومة المجاهد أحمد غالب الرهوي وعدد من رفاقه الوزراء في حكومة التغيير والبناء. لم تكن الغارة مجرد حادث عابر، بل اغتيالًا ممنهجًا لإضعاف أعلى مستويات القرار الوطني اليمني وكسر إرادته، ومواجهة موقف اليمن الثابت تجاه فلسطين وغزة. هذه الجريمة جاءت لتختبر صمود الدولة والشعب، لكنها في الوقت ذاته كشفت عن عمق التصميم الوطني اليمني وقدرته على تحويل المصاب إلى دافع معنوي لتعزيز الصمود والموقف المبدئي.
لكن اليمن، شعبًا وقيادة، واجه هذه الفاجعة بصلابة سياسية وأمنية أثبتت قدرة الدولة على امتصاص الضربات وتجاوز الصدمات دون انهيار. الرد الرسمي السريع، والتفاف الشارع حول موقف الدولة، أظهرا أن الجريمة بدلًا من أن تُضعف، عمّقت التلاحم الوطني ورسّخت التزام اليمن الثابت بمساندة غزة وفلسطين، مهما بلغت التضحيات.
العدوان الصهيوني ومحاولة كسر اليمن
جاءت الغارة التي استهدفت اجتماع الحكومة اليمنية في صنعاء كأحد أخطر فصول التصعيد الصهيوني، متجاوزة الطابع العسكري إلى اغتيال سياسي واضح يستهدف القرار السيادي اليمني. اختيار التوقيت والمكان يعكس سعيًا لضرب رأس الدولة ومحاولة ترهيبها نتيجة لمواقفها الثابتة في دعم المقاومة الفلسطينية، في ظل تصاعد المواجهة الإقليمية.
إلا أن الرد اليمني، شعبًا وقيادة، أثبت نضجًا استراتيجيًا ومرونة مؤسسية في التعامل مع الفاجعة، إذ تحوّلت الصدمة إلى نقطة ارتكاز جديدة لمزيد من التماسك والتصعيد. وما بدا محاولة لكسر الإرادة، أصبح محفزًا لصياغة موقف أكثر صلابة تجاه فلسطين، ومؤشرًا على فشل العدو في كبح اليمن عن أداء دوره التحرري.
جريمة الاغتيال وتأثيرها
شكلت الغارة التي استهدفت اجتماع الحكومة في صنعاء جريمة مدانة بكل المقاييس، ليس فقط لأنها أزهقت أرواح قيادات وطنية، بل لأنها استهدفت رموز القرار اليمني في لحظة حساسة. هذه العملية لم تكن عشوائية، بل جاءت في إطار تصعيد واضح يعكس حجم الخطر الذي تمثله مواقف اليمن تجاه القضية الفلسطينية.
الاغتيال كان بمثابة رسالة صهيونية موجهة لترويع كل من يعارض الاحتلال، ومحاولة للضغط على اليمن من أجل التراجع عن دعم غزة. مع ذلك، أثبتت هذه الجريمة أنها وقود لعزيمة الشعب والقيادة، فالمشهد الداخلي اتسم بسرعة الاستجابة والتنظيم، مما قلل من تأثير الغارة على مسار الدولة واستمراريتها.
من الجانب الاجتماعي، أعاد اغتيال القادة تأكيد الوحدة الوطنية بين الشعب والسلطة، فالشعب اليمني تجمّع في موقف موحد رافض للعدوان ومتمسك بمواقفه. هذه الحادثة عززت الإصرار الشعبي على دعم فلسطين، وأظهرت قدرة المجتمع اليمني على تحويل المأساة إلى قوة دافعة للصمود.
ختامًا، رغم الفداحة والمرارة التي خلفتها الغارة، إلا أن جريمة الاغتيال هذه مثلت اختبارًا حقيقيًا لقدرة الدولة على مواجهة الضغوط الخارجية، حيث برهنت صنعاء أنها أكثر من مجرد هدف عسكري، بل هي محور إرادة لا تنكسر مهما اشتدت التحديات.
بيان النعي الرسمي: لغة الدولة وثباتها
لم يكن بيان النعي الصادر عن رئاسة الجمهورية مجرد سرد لأسماء الشهداء، بل أداة سياسية ورسالة رمزية تعكس تماسك الدولة واستمرارها. أشار البيان إلى أن دماء القادة ستكون وقودًا لتعزيز العمل المؤسسي، وصرح بشكل واضح أن الحكومة ستواصل مهامها دون توقف، مما يشير إلى توازن حكومي بين مواجهة الصدمة والتمسك بالاستقرار.
في خطابه، رسم البيان صورة اليمن دولة مؤسسات متماسكة، لا تعتمد على الأفراد وحدهم بل على المبادئ التي تمثلها، والتي لا يمكن للعدو الصهيوني أن يضعفها. هذه الرسائل استهدفت الداخل أولاً، لتثبيت وحدة الشعب والقيادة، وخارجياً لإيصال رسالة واضحة بأن الدولة اليمنية ستظل في موقع الدعم المستمر للقضية الفلسطينية رغم كل الاعتداءات.
كما حمل البيان في طياته بعدًا أخلاقيًا ودينيًا، إذ أكد على مكانة الشهداء، وتكريمهم الوطني، وربط هذه التضحيات بمقاومة الاحتلال، مما خلق توازنًا بين الحزن والاحتفاء بالعزيمة الوطنية، وأوجد نقطة ارتكاز معنوية للمرحلة المقبلة.
الخلفيات والموقف اليمني الداعم لغزة
لا يمكن فهم جريمة الاغتيال بمعزل عن موقف اليمن السياسي والثقافي من القضية الفلسطينية، خصوصًا دعمها المستمر لغزة في مواجهة العدوان. استهداف قادة الحكومة جاء كرد فعل على هذا الموقف الرافض للتطبيع والداعم للمقاومة بكل أبعادها السياسية والعسكرية والإعلامية.
اليمن منذ سنوات أكد أن دعمه لغزة وفلسطين ثابت وغير قابل للمساومة، وأن التضحيات على هذا الطريق ستكون استمرارًا لا نهاية له. الغارة كشفت نوايا العدو في الضغط على صنعاء للتراجع، لكنها بدلاً من أن تضعف موقف الدولة، عززت من تصميم اليمن على أن تظل صوت المقاومة ورمز التضامن.
كما أن هذا الاستهداف جاء في وقت تتزايد فيه التنسيق بين اليمن وفصائل المقاومة، سواء على مستوى الدعم العسكري أو السياسي، مما جعل صنعاء نقطة مركزية في صراع الإقليم مع المشروع الصهيوني، وزاد من استهدافها في محاولة لإضعاف هذا التحالف.
قرار الرئيس مهدي المشاط: استمرارية الدولة رغم الخسارة
كان القرار الأول للرئيس مهدي المشاط بعد استشهاد رئيس الوزراء والوزراء، بتكليف النائب الأول لرئيس الوزراء للقيام بأعمال رئيس الحكومة، إشارة حاسمة على أن الدولة لم تنكسر، وأن المؤسسات مستمرة رغم الصدمة. هذا القرار حمل في طياته رسالة داخلية وخارجية بأن اليمن قادرة على تجاوز الأزمات، وأن الفقد لن يكون سببًا لتعطيل الأداء الوطني.
القرار يعكس حكمة القيادة اليمنية في إدارة الأزمة، ووضوح الرؤية في حماية استمرارية الدولة، وهو ما عزز ثقة المواطن في مؤسساتها، وأرسل إشارة قوية للعدو أن محاولات الانهيار السياسي ستفشل.
كما أن هذا التوجه أظهر حرص القيادة على تلافي فراغ السلطة أو حالة الارتباك، وضمان استمرار الدولة في أداء مهامها الوطنية، ودعم القضية الفلسطينية بكامل العزم.
الجاهزية العسكرية ورد الفعل
على الصعيد العسكري، أصدرت قيادة وزارة الدفاع اليمنية بيانات أكدت فيها جاهزية القوات المسلحة للدفاع عن الوطن والردع على كل المستويات. أكد وزير الدفاع أن الجيش مستعد للتصدي لأي تهديد، وأن العمليات العسكرية اليمنية في العمق وفي البحر مستمرة، بما يؤثر بشكل مباشر على الكيان الصهيوني عسكريًا واقتصاديًا.
هذه التصريحات لم تكن مجرد بيانات روتينية، بل جاءت لتؤكد قدرة اليمن على الرد الفوري والمنظم، وتحويل الموقف الدفاعي إلى موقف ردع استراتيجي، يعزز من مكانة اليمن في معادلة الردع الإقليمية.
كما تزامن الخطاب العسكري مع تعهدات واضحة بدعم غزة، ما يؤكد أن اليمن ستظل جزءًا فعالاً من الجبهة المقاومة، وسياسة الدفاع لن تتوقف مهما بلغت الضغوط والتحديات.
حركات المقاومة تدين الجريمة
على مستوى الفصائل الفلسطينية وحركات المقاومة في المنطقة، كانت ردود الفعل حازمة ومؤيدة لليمن ومساندة لشهدائه. حماس، الجهاد الإسلامي، فتح، وحزب الله عبروا عن تضامنهم الكامل، مؤكدين أن الدماء اليمنية هي جزء من دماء الأمة، وأن التضحيات ستزيد من عزيمة الجميع.
هذا التضامن عزز مكانة اليمن كشريك استراتيجي في المقاومة، وأظهر وحدة الشعوب في مواجهة العدوان الصهيوني، كما أرسى أسسًا لعمل مشترك متزايد بين الفصائل، من شأنه تعقيد حسابات العدو وتوسيع ميدان المواجهة.
الردود العربية والدولية أكدت أن استهداف اليمن لم يؤدِ إلى تراجع أو ضعف، بل أظهر عدالة القضية اليمنية وارتباطها العميق بقضية فلسطين، وجعل من جريمة الاغتيال دافعًا لتكثيف الجهود في دعم المقاومة.
فشل استراتيجي للكيان الصهيوني
بالرغم من القسوة والعنف، فإن الغارة لم تحقق أهدافها السياسية والاستراتيجية. العدو الصهيوني وجد نفسه أمام موقف أكثر صلابة وتلاحمًا يمنع تفكيك الدعم اليمني لفلسطين.
اليمن أثبتت أنها لن تنكسر تحت الضغوط، وأن إرادتها الوطنية هي أكبر سلاح في مواجهة الاحتلال. هذا الفشل الصهيوني يعكس حجم التحديات التي تواجهها تل أبيب في محاولاتها لكسر الجبهات المقاومة.
التضحيات اليمنية بدلاً من أن تضعف الدولة، أصبحت رمزًا لقوة لا تهتز، وأداة ردع تنذر العدو بأن أي تصعيد سيقابل بصمود مضاعف، مما يؤكد أن العدوان على اليمن لن يكون بلا ثمن.
إرادة اليمن.. صمود لا ينكسر
لقد مثل استهداف اجتماع الحكومة اليمنية في صنعاء جريمة مأساوية، لكنها كشفت عن حقيقة لا تقبل الجدل: أن إرادة الشعب اليمني وقيادته لا تُكسر، وأن الدعم لقضية فلسطين هو نهج راسخ لا يتزعزع مهما ارتفعت التضحيات. الصدمة التي أصابت صنعاء سرعان ما تحولت إلى وقود للمزيد من الصمود والتماسك الوطني، ما يؤكد أن اليمن اليوم ليست مجرد دولة تُستهدف، بل رمز مقاومة متجذر في عمق التاريخ والوجدان العربي.
العدوان الصهيوني، رغم محاولاته المستمرة لاستهداف قادة الدولة ومؤسساتها، فشل في تحقيق أهدافه الاستراتيجية، وبدلًا من ذلك، صنعاء خرجت من محنتها أقوى وأكثر تصميماً على السير في طريق التحرير والدعم المستمر لفلسطين. هذه الجريمة ستكون ذكرى مؤلمة، لكنها أيضًا محطة فاصلة تعيد رسم خريطة الصراع في المنطقة، وتثبت أن اليمن لا مكان فيها للانهزام، بل فقط للإصرار والمقاومة.
المصدر: موقع 21 سبتمبر