اعتراف غربي بدولة فلسطينية.. صحوة ضمير أم مؤامرة جديدة؟
البيضاء نت | مقالات
بقلم / علي عبد المغني
الأنظمة الغربية التي تعترف اليوم بدولة فلسطينية هي من أوجدت الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلّة، وجمعت المستوطنين الصهاينة من كافة أنحاء العالم إلى المنطقة العربية، ووفرت لهم كافة أنواع الأسلحة الحديثة والمتطورة بما فيها السلاح النووي والبيولوجي والكيماوي وغيرها من أسلحة الدمار الشامل التي لا تمتلكها دولة أُخرى في المنطقة.
تصور بعض القنوات العربية المتصهينة اعتراف الدول الغربية بدولة فلسطينية على أنه إنجاز تاريخي تحقّق للشعب الفلسطيني، وهو في الحقيقة مؤامرة غربية جديدة للقضاء على أهم أركان هذه الدولة وهو الشعب.
لا شك أنَّ إقدام الدول الغربية على الاعتراف بدولة فلسطينية في هذه المرحلة إشارة غربية للكيان الصهيوني بالقضاء على ما تبقى من الشعب الفلسطيني؛ لذلك سوف نشاهد خلال الأسابيع والأشهر القادمة تصعيدًا غير مسبوق من الكيان الصهيوني في عدوانه وجرائمه ضد الفلسطينيين في كافة الأراضي الفلسطينية المحتلّة.
لو كان الغرب صادقًا في توجّـهه لأوقف الإبادة والمجاعة الجارية في قطاع غزة أولًا، وكيف يمكن تصديق أنَّ الغرب جاد في توجّـهه وهو يرسل كافة أنواع الأسلحة والذخيرة للكيان الصهيوني في نفس الوقت الذي يعترف فيه بدولة فلسطينية؟ ولماذا تأخرت هذه الخطوة حتى الآن ولم يتخذها الغرب من قبل؟ هذا من ناحية، ومن ناحية أُخرى أن الأُمَّــة العربية للأسف لا تفهم أَو لا يُراد لها أن تفهم علاقة الكيان الصهيوني بالأنظمة الغربية.
الأنظمة الغربية التي تعترف اليوم بدولة فلسطينية هي من أوجدت الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلّة، وجمعت المستوطنين الصهاينة من كافة أنحاء العالم إلى المنطقة العربية، ووفرت لهم كافة أنواع الأسلحة الحديثة والمتطورة بما فيها السلاح النووي والبيولوجي والكيماوي وغيرها من أسلحة الدمار الشامل التي لا تمتلكها دولة أُخرى في المنطقة، وجندت كافة الحكومات والأنظمة في المنطقة لخدمة الصهاينة، وسمحت له بانتهاك كافة القوانين والأنظمة، وفتحت له الأسواق الأُورُوبية على مصراعيها، وأقامت معه شراكة استراتيجية في كافة المجالات.
واليوم المستوطنون الصهاينة في فلسطين المحتلّة من كافة الدول الغربية؛ لذلك تعتبر كُـلّ دولة من هذه الدول هذا الكيان اللقيط جزءًا منها، وقاعدة من قواعدها العسكرية في المنطقة، ومشروعها الاستراتيجي للسيطرة على الدول العربية ونهب ثرواتها وخيراتها؛ لذلك فالكيان الصهيوني بالنسبة للدول الغربية مسألة لا نقاش فيها.
إذ لم تتخذ الدول الغربية يومًا قرارًا ضد الكيان الصهيوني منذ أكثر من سبعين عامًا، ولن تتخذ يومًا لصالح الشعب الفلسطيني قرارًا، وكل الاتّفاقيات التي جرت بين الأنظمة العربية العميلة والكيان الصهيوني -برعاية غربية- كانت لصالح الكيان المجرم، بدءًا من “كامب ديفيد”، ومُرورًا بوادي “عربة” و”أوسلو”، ووُصُـولًا إلى الاتّفاقيات الإبراهيمية.
كما لم تستفد دولة عربية واحدة من هذه الاتّفاقيات التي شرعنت وجود الكيان الصهيوني، ووسعت حضوره في المنطقة، وعززت أمنه واستقراره خلال العقود الماضية، لذلك ليس صحيحًا ما تروّج له قنوات “العربية” و”الجزيرة” و”الحدث” وأخواتها أن اعتراف الدول الغربية بدولة فلسطينية إنجاز تاريخي للشعب الفلسطيني، ما كان له أن يتحقّق لولا الدبلوماسية العربية بقيادة المملكة السعوديّة؛ بل هو طعنة أُخرى في ظهر القضية الفلسطينية ستظهر آثارها خلال الأيّام القادمة.
ولو كانت الدبلوماسية العربية ناجحة لما استمرت معاناة الشعب الفلسطيني إلى اليوم، هذه الدبلوماسية العربية ليست سوى قالب لتغليف المؤامرات الغربية على شعوب الأُمَّــة، وخيانة صريحة لله ولرسوله وللمؤمنين. هذه الأنظمة والقنوات العربية ليست أعلم من الله بأعدائنا، وخبثهم ومكرهم بنا؛ فهو القائل: ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَآئِكُمْ، وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَىٰ بِاللَّهِ نَصِيرًا﴾.
الذين تصفهم هذه الأنظمة العربية بالأشقاء والأصدقاء، هم الذين قال الله عنهم: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾، وهو القائل: ﴿مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أهل ٱلْكِتَٰبِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍۢ مِّن رَّبِّكُمْ﴾.
هذا هو المنظار الدقيق الذي يجب على الأُمَّــة أن تنظر إلى الأمور من خلاله، لا سِـيَّـما إذَا كانت من قبل اليهود والنصارى، وهذا ما أرشدنا إليه القرآن الكريم بقوله: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَو الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إلى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾. هذه القواعد الإلهية العظيمة هي وحدها من تقي الأُمَّــة من أعدائها.