أين ضمير العالم؟ أسطول الصمود يهاجم والأنظمة تختبئ خلف بيانات الإدانة الواهية!
البيضاء نت | تقرير
في انتهاك صارخ لكل الأعراف والقوانين الدولية، وفي مشهد يعكس ازدواجية معايير غير مسبوقة، هاجمت بحرية الاحتلال الإسرائيلي، مساء الأربعاء، “أسطول الصمود العالمي” السلمي لكسر الحصار عن قطاع غزة.
لم يكتفِ الاحتلال بقرصنة السفن واحتجاز النشطاء في المياه الدولية، بل ضرب عرض الحائط بكل القيم الإنسانية والأخلاقية، كاشفًا عن سياسته النازية والعنصرية التي تمارسها بلا حسيب ولا رقيب.
يأتي هذا العدوان الهمجي في ظل تغاضي عالمي يمنح الضوء الأخضر لـ”إسرائيل” لمواصلة جرائمها، ويشير بوضوح إلى تواطؤ دولي مع ما ترتكبه من جرائم حرب الإبادة الجماعية المستمرة في غزة منذ 7 من أكتوبر 2023م.
تفاصيل الهجوم: حصار واعتراض واعتقالات
بدأ الهجوم بحصار قوات الاحتلال الإسرائيلي لأسطول الصمود في المياه الدولية، حيث رصدت نحو 20 سفينة حربية وألغام بحرية في المنطقة، مما دفع القائمين على الأسطول إلى إعلان حالة تأهب قصوى. الأسطول، الذي يضم أكثر من 50 سفينة تحمل مساعدات إنسانية ومستلزمات طبية، وعلى متنها 532 متضامناً من 45 دولة، يهدف إلى كسر الحصار المفروض على غزة وتقديم العون للسكان المحاصرين.
وذكرت تقارير إعلامية أن بحرية الاحتلال احتجزت حتى الآن 13 سفينة من الأسطول واعتقلت عشرات النشطاء على متنها، فيما انقطع الاتصال مع عدد من المشاركين، القناة 13 العبرية أفادت أن عدد المشاركين الكبير أجبر جيش الاحتلال الإسرائيلي على استدعاء مئات الجنود من سلاح البحرية للسيطرة على القافلة ومنع وصولها إلى غزة.
وأكدت صحيفة “يديعوت احرنوت” العبرية أن قوات الكوماندوز البحرية “شايطت 13” قامت بمداهمة حوالي 40 من أصل 47 قارباً في الأسطول، واحتجزت مئات النشطاء الذين يتم نقلهم إلى ميناء أشدود لترحيلهم إلى بلدانهم.
الهيئة التركية في أسطول الصمود العالمي أكدت اعتقال قوات بحرية الاحتلال الإسرائيلي 25 ناشطاً تركياً من سفن في الأسطول، بعد استيلائها عليها بشكل غير قانوني، مشيرة إلى أن بحرية الاحتلال اقتحمت 15 سفينة في الأسطول، واعتقلت نشطاء من عدة سفن مثل “سيريوس”، و”ألما”، و”سبيكتري”، و”هيوغ آي”، و”دير ياسين آي”، و”غراندي بلو”.
إدانات فلسطينية وعربية ودولية واسعة
توالت الإدانات الدولية لهذا الهجوم، حيث اعتبرت حركة الأحرار الفلسطينية الاعتداء الغاشم “قرصنة وخرقاً واضحاً للقانون البحري الدولي”، مؤكدة أنه “ضرب بعرض الحائط لقرار محكمة العدل الدولية باتخاذ الإجراءات اللازمة لحياة كريمة وسلامة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وإمعان نازي بتشديد الحصار وفرض سياسة التجويع الممنهج عليه”، محملة العدو الصهيوني وحكومته الفاشية المسؤولية الكاملة عن حياة وسلامة طواقم الأسطول.
من جهته، أكد السيد عبدالملك الحوثي، في كلمته اليوم الخميس، أن الناشطين والمتضامنين في أسطول الصمود نجحوا في فضح العدو الإسرائيلي ولفتوا أنظار العالم إلى معاناة الشعب الفلسطيني، مشيرا إلى أن الناشطين في أسطول الصمود يعملون ما بوسعهم للفت أنظار العالم لإقامة الحجة على الأمة وغيرها ممن يحيطون بفلسطين ويتفرجون على تجويع الشعب الفلسطيني.
وفي وقت سابق، كان عضو المكتب السياسي لأنصار الله في صنعاء، محمد الفرح، قد استنكر الاعتداء السافر على “أسطول الصمود العالمي”، معتبراً اعتراض الأسطول في المياه الدولية انتهاكاً صارخاً وسلوكاً عدوانياً يكشف حقيقة الكيان المارق. ودعا الفرح شعوب العالم إلى التظاهر والتضامن وإدانة هذا الاعتداء واعتباره جريمة ومحاسبة المجرمين الإسرائيليين.
اللجنة الدولية لكسر الحصار عن غزة دعت إلى حراك عالمي إنساني مع الحق والعدل لقلب الطاولة على هذا الكم المهول من الشر والتآمر.
من جانبه، أدان الرئيس البوليفي لويس أرسي بشدة الهجوم الإسرائيلي، مؤكداً أنه يمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي واعتداء على الكرامة الإنسانية. كما أدانت الخارجية الفنزويلية بأشد العبارات “عمل القرصنة الجبان”، مشيرة إلى أن الهجوم العسكري يكشف الطبيعة الإجرامية للنظام الصهيوني.
رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف أعرب عن إدانة بلاده الشديدة للهجوم الوحشي، فيما وصف المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي العدوان الإسرائيلي على قافلة الصمود بـ”الانتهاك الصارخ للقانون الدولي وعمل إرهابي”، مشدداً على ضرورة محاسبة المتورطين في التطهير العرقي والإبادة.
الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو أعلن طرد كامل البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية المتبقية من بلاده، ونقض اتفاقية التجارة الحرة مع إسرائيل، على خلفية احتجاز مواطنين كولومبيين اثنين ضمن الأسطول. هذه الخطوات تمثل تصعيداً دبلوماسياً غير مسبوق.
رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم طالب بإطلاق سراح النشطاء الماليزيين والدوليين المعتقلين، مؤكداً أن ماليزيا ستتخذ جميع الخطوات القانونية والشرعية لمحاسبة “إسرائيل” خاصة عندما يتعلق الأمر بمواطنيها. وأشار إلى احتجاز “إسرائيل” لـ23 ماليزياً.
رئيس جنوب أفريقيا أكد أن اعتراض سفن أسطول الصمود في المياه الدولية قبالة سواحل غزة يؤكد انتهاك “إسرائيل” المستمر للقانون الدولي.
وأكدت المتحدثة باسم أسطول الصمود للجزيرة: “محاولاتنا للوصول إلى غزة ستستمر حتى رفع الحصار الإسرائيلي عن القطاع”
اختطاف إعلاميين واقتيادهم لجهة مجهولة
في سياق متصل، أدان مركز حماية الصحفيين الفلسطينيين (PJPC) بشدة، اليوم الخميس، احتجاز سلطات الاحتلال الاسرائيلي عدداً من الصحفيين على متن قوارب أسطول الصمود وتعريض حياتهم للخطر، رغم أدائهم لمهام إعلامية مشروعة يكفلها القانون الدولي الإنساني. رصد المركز اعتقال عدد من الإعلاميين واقتيادهم من قبل قوة من وحدة “شاليط” بحرية الاحتلال الإسرائيلي إلى جهة غير معلومة، مما يشكّل اعتداءً مباشراً على سلامتهم الشخصية. وأكد المركز أن هذا الاعتداء البربري يمثل انتهاكاً صارخاً للمادة (79) من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1977، وطالب بالتحرك الفوري لتأمين سلامة الصحفيين المحتجزين وضمان إطلاق سراحهم دون قيد أو شرط، وفتح تحقيق دولي عاجل لمحاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات الجسيمة.
احتجاجات عالمية ومسيرات غاضبة
وعلى نفس الصعيد، شهدت أكثر من 8 مدن أوروبية احتجاجات ومسيرات ليلية غاضبة تنديداً بالعدوان الإسرائيلي على أسطول الصمود. وامتدت هذه الاحتجاجات إلى أغلب دول العالم، بما في ذلك بافيا وميلانو وروما في إيطاليا، غازي عنتاب ومدن تركية أخرى، المدن اليونانية، برلين الألمانية، تونس، نواكشوط الموريتانية، ومدن كندية ولندن، وسيول الكورية الجنوبية. وطالب تجمع 23 منظمة إنسانية مستقلة الدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية بتحويل ذلك إلى إجراءات عملية وإنقاذ أرواح الفلسطينيين من الإبادة في غزة.
الصمت العالمي: تواطؤ أم عجز؟
في ظل هذه الانتهاكات الصارخة، يبرز التساؤل المؤلم: لماذا هذا الصمت العالمي المطبق؟ ولماذا تستمر الدول الكبرى، والمؤسسات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، في غض الطرف عن ممارسات الاحتلال التي تتجاوز كل الخطوط الحمراء؟
لاسيما وقد بات واضحاً أن عدم التحرك الفعال لوقف هذه القرصنة يشكل تواطؤاً ضمنياً مع الجرائم الإسرائيلية، ويقدم غطاءً أخلاقياً وسياسياً لكيان غاصب يضرب بالقوانين والأعراف الدولية عرض الحائط. ألم يدرك العالم بعد أن هذا الصمت يرسخ مبدأ الإفلات من العقاب، ويشجع “إسرائيل” على المزيد من الوحشية والانتهاكات؟
ألا يشاهد العالم قسوة ما يعانيه الشعب الفلسطيني من إبادة جماعية وحصار ممنهج؟ ألم يأن الأوان أن يتوقف هذا الصمت المذل، وأن تتحول الإدانات اللفظية إلى إجراءات عملية وملموسة لمحاسبة قادة الاحتلال ورفع الظلم عن غزة؟ الخلاصة؛ أين العالم الآن، اسطول الصمود، يهاجم وعواصمه تختبئ وراء بيانات الاستنكار والتنديد؟