حماس بين الردّ الذكي وتجاهُل الغبي
البيضاء نت | مقالات
بقلم / عبدالله علي هاشم الذارحي
مساء أمس الجمعة، أعلنت حركة حماس ردها على مقترح ترامب بشأن غزة، وجاء في مقدمة البيان الكلام التالي:
«حرصًا على وقف العدوان وحرب الإبادة التي يتعرض لها أهلنا الصامدون في قطاع غزة، وانطلاقا من المسؤولية الوطنية، وحرصًا على ثوابت شعبنا وحقوقه ومصالحه العليا، فقد أجرت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” مشاورات معمقة في مؤسّساتها القيادية، ومشاورات واسعة مع القوى والفصائل الفلسطينية، ومشاورات مع الإخوة الوسطاء والأصدقاء، للتوصل إلى موقف مسؤول في التعامل مع خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب».
ويجي لك واحد غبي يقول إن حركةَ حماس وافقت على المقترح الأمريكي كما هو، فبصراحة أقول للمتغابي:
أرجوك اصبر قليلًا قبل إطلاق الأحكام.
لقد أثبتت المقاومة في فلسطين أنها الصوتُ الحقيقي للشعب الفلسطيني والدرع الواقي له، وما قدّمته لا يوازيه قول أَو تنظير من بعيد.
فمن لم يعش التجربة ولم يدفعْ ثمنها دمًا وتضحية، لا يحق له أن يفتيَ أَو يملي على المجاهدين خياراتِهم.
لذا فليصمُتْ من لا يعرف معنى الفداء، ولتظل الكلمةُ الفصلُ للمقاومة التي صنعت المجدَ بدمائها.
حماس لم تقبل المقترح بصيغته الكاملة، بل وافقت على مبادئ أَسَاسية كانت أصلًا في صُلب موقفها منذ البداية، مثل قضية الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين، سواء دفعة واحدة أَو على مراحل.
وحتى مسألة حكومة التكنوقراط ليست جديدة؛ فحماس نفسها كانت قد طالبت بها سابقًا، وهذا مختلف تمامًا عما ورد في مقترح ترامب الذي أنصف الجلاد وظلم الضحية.
حركة حماس قبلت بـ9 بنود فقط من أصل 21 وردت في خطة ترامب.
غير أن هذه البنود لم تكن جديدةً عليها، فهي نفسها التي سبق أن وافقت عليها، بل وأكّـدت في الوقت ذاته أن تنفيذَها لا بُـدَّ أن يكون خاضعًا لمزيد من التفاوض.
ومن ثَم فإن الموقف ما يزال في طور التشكُّل ولم ينضج بعدُ لاتِّخاذ قرار نهائي.
وفيما يخُصُّ بقيةَ التفاصيل، فقد رفضت حماس القبولَ بها بشكل مباشر، واختارت بدلًا عن ذلك أن تُبقي الباب مفتوحًا للتفاوض حولها.
وهذا موقفٌ سياسي ودبلوماسي محسوب؛ إذ من الغباء أن تقول الحركة: «نرفض المقترح جملةً وتفصيلًا»، بينما يتضمن بنودًا تصب في المصلحة الفلسطينية والوطنية، مثل الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، ومنع التهجير، وإعادة الإعمار، وإنهاء الحرب.
لكن، في المقابل، هناك نقاطٌ غامضة وملتبسة لا يمكن القبول بها بصيغتها الحالية، مثل طبيعة انسحاب الكيان الإسرائيلي، وتعريف ما يُسمى بـ«السلاح الهجومي» الذي يطلب المقترح من حماس التخلي عنه.
وهذه الثغراتُ هي التي دفعت الحركة إلى التعامُل بذكاء عالٍ وبحذر شديد، فهي لا تريدُ أن تُساق إلى فَخِّ سياسي أَو عسكري تحت عناوينَ فضفاضة.
يبقى الأهم أن قيادتنا السياسية، بعد أن أطلق ترامب مبادرته، أرجعت الأمر لحركة حماس.
هذا يعني بالنسبة لنا كأنصار للمقاومة إن موقفَنا ثابت؛ فما تقبلْه المقاومة نقبلْه؛ لأَنَّها الجهة التي دفعت الثمنَ الأعظمَ وقدّمت ما لم يقدّمْه غيرُها.
أبناء غزة واجهوا حصارًا خانقًا وعدوانًا متواصلًا وموتًا يوميًّا لا يمكن لإنسان طبيعي أن يتحمَّلَه، في ظل صمت عالمي وتخاذل عربي وإسلامي، ومع ذلك صبروا وصمدوا، وجعلوا من معاناتهم وقودًا لصمود الأُمَّــة كلها.
خلاصة القول: حماس انتصرت، ويعلم الله ما الذي سيستجد في الساعات القادمة، ونحن على يقين أن الجولة لن تنتهي إلا بشروط حركة حماس وحركات المقاومة الفلسطينية.
والعاقبة للمتقين.