اليمن يكسر هيبة واشنطن وسقوط شبكة التجسس يشعل هلع العدوان

البيضاء نت |  تقرير طارق الحمامي 

 

لم يكن الاستياء الأمريكي من أحكام الإعدام التي صدرت بحق شبكات التجسس التي أعلنتها وزارة الداخلية مجرد موقف حقوقي أو قلق إنساني كما تسوّق واشنطن، فالحقيقة التي لم يعد بالإمكان التستر عليها، في الداخل الأمريكي كما في الخليج وإسرائيل، هي أن الجمهورية اليمنية وجّهت أقسى ضربة استخبارية لتحالف العدوان منذ بدء حربه الشرسة على اليمن عام 2015، الضربة لم تكن مجرد اعتقال عناصر متفرقة، بل تفكيك شبكة عملياتية متكاملة مرتبطة، وفق اعترافات مصوّرة، بغرفة عمليات مشتركة تضم ضباطاً أمريكيين وسعوديين وإسرائيليين.

 

 

هذه الحقيقة الصادمة هي التي جعلت واشنطن تنتفض وتصرخ وتدين وتستنكر، رغم أنها لم تذرف دمعة واحدة على عشرات آلاف الشهداء الذين سقطوا بغاراتها وغارات حلفائها، ولهذا يقول اليمنيون اليوم بثقة، الغضب الأمريكي لم يصدر دفاعاً عن حقوق الإنسان، بل دفاعاً عن جواسيسها وأدواتها التي سقطت سقوطاً مدوياً.

لأن إعلان وزارة الداخلية عن تفكيك شبكة تجسس مرتبطة بغرفة عمليات أمريكية _ سعودية _ إسرائيلية  لم يكن حدثاً أمنياً عادياً، بل كان زلزالاً سياسياً واستخبارياً ضرب قلب منظومة العدوان التي ظنّت، لسنوات، أنها تمسك بخيوط اليمن كما تشاء.

لكن المشهد تغيّر، الجمهورية اليمنية، المحاصرة منذ عقد، وجّهت ضربة موجعة لثلاثي الهيمنة، وأسقطت شبكة عملت في العمق الأمني والعسكري، واعترف أفرادها بانتمائهم إلى غرفة عمليات واحدة في الرياض، وحين أصدرت المحكمة اليمنية أحكام الإعدام بحق المدانين، انفجرت واشنطن غضباً.

لم تغضب رحمةً، ولا إنسانيةً، ولا نصرةً للقانون، بل غضبت لأنها خسرت أدواتها، وانكشف ما كانت تحاول إخفاءه منذ سنوات
أنها الطرف الأكبر، والأعمق، والأكثر تورطاً في العدوان على اليمن.

 

سقوط الغرفة السوداء .. اللحظة التي لم تتوقعها واشنطن

التحقيقات التي نشرتها وزارة الداخلية اليمنية بالصوت والصورة كشفت منظومة كاملة كانت تعمل لحساب غرفة عمليات مشتركة تضم ضباطاً من، جهاز الاستخبارات الأمريكية، والاستخبارات السعودية، والاستخبارات الإسرائيلية.

هذه المنظومة لم تكن تتجسس على تفاصيل ثانوية، بل كانت تلاحق مواقع حساسة، كما بيّنت التحقيقات اليمنية، كانت تشغّل عشرات الخلايا التي تقوم بجمع معلومات حساسة عن المنشآت العسكرية اليمنية، ورصد تحركات القوات والقدرات الدفاعية ومنظومات الردع، ونقل إحداثيات لشن غارات تستهدف المدنيين والبنية التحتية والأمنية،  وجرى توثيق اعترافات الجواسيس بالصوت والصورة، ما أسقط أقنعة العدوان دفعة واحدة، وكشف للأمة العربية حجم التورط الأمريكي _ الإسرائيلي _ السعودي، في العدوان على اليمن.

ولهذا، حين أعلنت وزارة الداخلية عن تفكيك الشبكة، اهتزّت الغرفة السوداء التي لم تتوقع أن اليمن يمتلك قدرة رصد بهذا المستوى.

 

اليمن يغيّر قواعد اللعبة الاستخبارية في المنطقة

لقد اعتاد العالم أن يشاهد أجهزة الاستخبارات الكبرى، الأمريكية تحديداً، وهي تتحرك فوق الأرض العربية بلا رقيب ولا محاسبة، فمنذ عقود، كانت واشنطن تعتبر أن الشرق الأوسط حديقتها الخلفية، وأن دولاً كثيرة ستغضّ الطرف عن شبكاتها أو تكتفي بالاحتجاج الإعلامي دون أن تمتلك الجرأة على محاكمتها ومحاكمة عملائها.

لكن اليمن، ومن قلب الحرب، حطّم هذا النموذج الاستعماري القديم، فمحاكمة شبكة التجسس الأخيرة لم تكن مجرد خطوة قانونية، كانت إعلان نهاية عهد الوصاية الأمنية الأمريكية على المنطقة.

لقد قال اليمن بالفعل لا بالشعارات، إن زمن الخضوع قد انتهى، وإن السيادة ليست وثيقة تشريفية بل ممارسة يومية وحقّ يُنتزع انتزاعاً، وهذه هي الرسالة التي أقلقت واشنطن ودوائرها الأمنية أكثر من أي شيء آخر.

 

واشنطن تخشى العدوى

اليمن كسر هيمنة السي آي إي في المنطقة،  للمرة الأولى، دولة عربية تخوض حرباً مع الولايات المتحدة وحلفائها، وتنجح في كشف شبكات تجسس تعمل لصالح أقوى أجهزة استخبارات في العالم، ومحاكمة عناصرها، وإعلان اعترافاتهم علناً أمام ملايين المشاهدين، تنفيذ الأحكام وفق سيادة قانون وقرار مستقل.

واشنطن لا تخشى فقط خسارة شبكاتها في اليمن، بل تخشى أن تتحول هذه السابقة إلى نموذج ملهم لدول ومحاور أخرى ترى أن الولايات المتحدة تفرض هيمنتها عبر الاختراق الأمني والاستخباراتي.

واشنطن تعرف جيداً أن العالم يتغيّر وأن هيبة الولايات المتحدة تتآكل، وأن التجربة اليمنية باتت تقول للآخرين،  إذا كان اليمن المحاصر قادرًا على كسر الذراع الاستخبارية الأمريكية، فماذا يمنع غيره؟

 

رد الفعل الأمريكي الهائج خوفاً وجودياً

البيانات الأمريكية التي أدانت الأحكام كشفت، من حيث لا تريد، عمق الارتباك داخل مؤسسات صنع القرار في واشنطن. فالمؤسسة الأمنية تعلم أن سقوط هذه الشبكة سيؤثر على عمليات جمع المعلومات الاستراتيجية، وقدرة واشنطن على خوض حرب الظل داخل اليمن، وفعالية التحالف السعودي في الميدان، وكذلك النشاط الاستخباري للعدو الإسرائيلي المرتبط بأنظمة الرصد في البحر الأحمر.

إنها ليست قضية حقوقية، إنها ضربة وجودية لواشنطن داخل ملف تعتبره من أكثر الملفات حساسية في الشرق الأوسط.

 

اليمن دولة تصنع معادلة جديدة في وجه ثلاثي الهيمنة

لقد استخدم تحالف العدوان كل أدواته منذ بداية الحرب ، القصف الجوي المتواصل، والحصار الاقتصادي، والحرب النفسية والإعلامية، وكل أشكال الاختراق الاستخباري.

لكن اليمن أثبت أنه أكبر من كونه ساحة صراع، إنه اليوم لاعب فاعل، يمتلك القدرة على الرفض والصمود والرد، وعلى حماية أمنه الداخلي بقدراته المحلية رغم قسوة الظروف.

والإنجاز الأخير يفتح الباب أمام مرحلة ردعية جديدة ضد أي محاولة اختراق مستقبلي، وبناء منظومة أمنية يمنية قادرة على مواجهة أقوى أجهزة الاستخبارات العالمية، وتعزيز تماسك الجبهة الداخلية من خلال كشف خيوط التجسس أمام الشعب.

 

لماذا تتجنّب واشنطن الاعتراف بمسؤوليتها؟

لأن اعترافها يؤكد للعالم بشراكتها المباشرة في العدوان على اليمن، وبأنها تدير عمليات سرية تتناقض مع قوانين الحرب والشرعية الدولية، وبأنها ساهمت بشكل مباشر في إراقة دماء المدنيين اليمنيين عبر معلومات استخبارية، وأن السعودية أداتها الرئيسية القذرة التي تسهل من تحركاتها في المنطقة، إلى جانب كيان العدو الإسرائيلي

لهذا جاء ردها مرتبكاً، عائماً، يختبئ خلف كلمات فضفاضة عن المحاكمة والإجراءات القضائية، رغم أنه لم يعرف اليمنيون من أمريكا أي حرص على العدالة طوال سنوات العدوان.

 

اليمن اليوم ليس يمن الأمس

الحصار لم يقتل الإرادة، والقصف لم يلغ قدرة اليمن على تطوير أجهزته ومؤسساته، اليمن اليوم يرسل رسالة واضحة، نحاكم من يتجسّس على وطننا أياً كان سيده، ونحمي سيادتنا بدمائنا، لا ببيانات ناعمة، ومن يعتدي على أرضنا سيجد نفسه مكشوفاً، محاكماً، ومردوعاً.

وهذه الرسالة الأكثر إيلاماً هي التي جعلت واشنطن تصرخ أمام العالم.

 

ختاماً 

اليمن لم يعد بلدًا ضعيفًا، بل بلدًا يضع حدًّا للهيمنة، وسقوط شبكة التجسس لم يكن نهاية قصة، بل بداية فصل جديد في معركة التحرر اليمنية، فصل يكتب بيد دولة صامدة كسرت صلف أقوى أجهزة العالم.

اليمن يقول،  نحن شعب لا يُخترق وإن اخترقونا فسنكشفهم، وإن كشفناهم فسنحاسبهم، وإن حاسبناهم فلن نخشى أمريكا ولا غير أمريكا.

وفي المقابل، لم يعد أمام واشنطن إلا الاعتراف في الغرف المغلقة بأنها تلقت ضربة موجعة،  ضربة صنعاء، العاصمة التي أرادت واشنطن إخضاعها، فإذا بها تفرض على واشنطن أن تنحني أمام حقيقة جديدة، اليمن اليوم قوة تُحسَب لا ساحة تُستباح.