الاحتلال السعودي الإماراتي .. صراع يحتل الأرض ويبتلع القرار وحضرموت تدفع الثمن
البيضاء نت | تقرير طارق الحمامي
تغلي حضرموت اليوم على وقع سباق محموم بين السعودية والإمارات، يتّخذ أشكالاً عسكرية وسياسية واقتصادية مكشوفة لم تعد قابلة للتجميل أو التبرير. وبرغم الخطاب الموجه من أدوات تحالف العدوان ، التي تصرّ على تسويق التحركات بأنها جزء من جهود محاربة أنصار الله، إلا أن أبناء حضرموت والمهرة، ومعهم طيف واسع من المراقبين، يؤكدون أن الذريعة فاقدة للمصداقية تماماً، لأن هذه المحافظات تخلو أصلاً من أي وجود لأنصار الله، شهادات محلية، ومعلومات ميدانية، ومواقف سياسية متنوعة، تكشف اتساع قناعة بأن المحافظة تحولت إلى مسرح تنافس سعودي __ إماراتي مكشوف، له علاقة بترتيبات صراع على النفط والموانئ والموقع الاستراتيجي.
وهكذا يجد الناس أنفسهم أمام سؤال شديد المباشرة، إن لم يكن أنصار الله هنا، فمن الذي تُحاربه السعودية والإمارات؟ والإجابة، كما يردّد أبناء حضرموت بلا تردد، كل طرف يحارب الطرف الآخر، ويتصارعان على المحافظة باعتبارها الجائزة الكبرى.
ذريعة محاربة أنصار الله غطاء مكشوف لمشاريع السيطرة
لا يختلف اثنان في حضرموت أن القوى المتصارعة على الأرض تتنافس على النفط والموانئ والمواقع الاستراتيجية، وأن استخدام شعار محاربة أنصار الله، لم يعد سوى غطاء سياسي يُراد منه شرعنة التحركات وتبرير الانتشار العسكري الواسع،
فتحالف العدوان الذي شن عدوانه على اليمن عام 2015 بذريعة دعم الشرعية، تحوّل في نظر كثيرين إلى تحالف تتصارع داخله دوله لا على مستقبل اليمن، بل على حصص النفوذ فيه.
وفي حضرموت تحديداً، تبدو المفارقة أكثر وضوحاً، لا توجد جبهة قتال مع أنصار الله، ولا معارك قائمة، ولا أي تهديد عسكري من الشمال إلى الشرق، ومع ذلك، تنتشر القوات السعودية في الوادي والصحراء، وتتوسع الإمارات في الساحل عبر قوات النخبة، وهو تواجد يؤكد أن الطرفين يتهيئان للتموضع في مناطق نفوذهما الجديدة واستعداد أن يقتلوا جميع اليمنيين في الجنوب لأجل هذه الغاية .
صراع الأدوات ليس جديداً .. عدن وشبوة وسقطرى كانت البروفة الأولى
ما يحدث اليوم في حضرموت ليس حادثاً طارئاً، بل هو امتداد لسلسلة طويلة من الاشتباكات والصدامات التي شهدتها المناطق الخاضعة لنفوذ الاحتلال السعودي والاماراتي، من عدن إلى شبوة وصولاً إلى أرخبيل سقطرى.
في كل تلك المحطات، كان المشهد واحداً، قوات مدعومة من الإمارات تشتبك مع قوات مدعومة من السعودية، ’’لا أنصار الله، ولا أي طرف آخر’’ .
في عدن، انفجرت المعركة عدة مرات بين الانتقالي وقوات حكومة الاحتلال، وفي شبوة، تغيّرت السيطرة أكثر من مرة وفق نتائج المواجهات بين المعسكرين، وفي سقطرى، سقطت الجزيرة دون أي مقاومة ، نتيجة صراع بين أدوات الاحتلال ذاته.
ومع كل جولة من جولات هذا الصراع، كانت تتسع القناعة الشعبية بأن جذر المشكلة ليس يمنياً، بل سعودياً _ إماراتياً، وأن القوى المحلية ليست سوى واجهات متصارعة نيابة عنهما.
حضرموت .. الجائزة الاقتصادية الكبرى للمحتلين
تدرك الرياض وأبوظبي أن حضرموت ليست مجرد محافظة يمنية، بل كنز جغرافي واقتصادي لا نظير له في اليمن، فهي أكبر مساحة جغرافية، ومخزون نفطي ضخم في الوادي والصحراء، وسواحل ممتدة على بحر العرب، وموانئ قابلة للتحول إلى بوابات تجارية دولية، وموقع استراتيجي قريب من خطوط التجارة ونقاط النفوذ البحري.
لهذا يصف أبناء المحافظة ما يجري بأنه تزاحم احتلالي على الثروة، لا علاقة له بأي مشروع لتحرير اليمن أو حمايته.
وما يزيد من حدة التوتر هو أن كل طرف يريد مستقبلاً لحضرموت وفق مقاساته الخاصة، فالإمارات تريد وجوداً واسعاً، والسعودية ترغب بإبقاء الوادي والصحراء تحت سيطرتها الأمنية المباشرة.
الرؤية المبكرة للسيد القائد .. التدخل السعودي الإماراتي مشروع احتلالي
ضمن المراجعة التاريخية للمواقف السياسية، برزت رؤية السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي لما ستؤول إليه الأحداث في جنوب الوطن وحضرموت بشكل خاص، من خلال خطاباته ومواقفه الموثقة، يرى السيد القائد أن الوجود السعودي _ الإماراتي في المحافظات الجنوبية مشروع احتلال كامل الأركان، وقد حذّر مبكراً من خطورته على مستقبل اليمن ووحدة أراضيه ، من خلال المؤشرات المبكرة التي إنعكست على واقع الهيمنة السعودية والاماراتية في المحافظات المحتلة، السيطرة على الموانئ والمطارات، وإنشاء تشكيلات عسكرية من المرتزقة لبسط النفوذ الأمني الداخلي ، والتمدد في الجزر والسواحل، والتنافس الاقتصادي بين الرياض وأبوظبي
وفي أكثر من خطاب، دعا السيد القائد أبناء المحافظات الجنوبية إلى تحمّل مسؤوليتهم في مواجهة الوجود الأجنبي، باعتباره مشروعاً لا يخدم اليمن، ويجب أن يواجهه أبناء الجنوب أنفسهم باعتبارهم المتضررين من خطورة هذا التدخل.
، باحث سياسي جنوبي يؤكد : سواء اتفقنا أو اختلفنا مع الحوثي ، لا يمكن إنكار أنه كان من أوائل من تحدثوا عن أن الجنوب تحت احتلال، وأن صراع النفوذ سيتفاقم، وهو ما نراه اليوم حرفياً في حضرموت، والتي تحولت إلى ساحة صراع سعودي إماراتي مفتوح، لا دور فيه لأبناء المحافظة سوى مواجهة النتائج.
مطرقة الإمارات وسندان السعودية .. واليمنيين هم الضحية
في ظل هذا التنافس، تتسع حالة السخط الشعبي في حضرموت، حيث يشعر المواطنون أنهم محاصرون بين مطرقة النفوذ الإماراتي على الساحل وسندان الوجود السعودي في الوادي، كل طرف يدعم قوة محلية من أدواته ويعلن نفسه المنقذ، بينما الواقع على الأرض يزداد هشاشة، تعطّل شديد للتنمية، وخوف من اندلاع مواجهة واسعة، وتوتر بين المكوّنات المسلحة، وتشققات وتصدعات داخل القبائل والتيارات السياسية.
ويرى ناشطون جنوبيين أن هذا الوضع لو استمر، فإنه سيحوّل المحافظة إلى منطقة رخوة للفوضى والتفكك، ويفتح الباب أمام سيناريوهات أشد خطورة من تلك التي شهدتها عدن وشبوة.
من يملك القرار في حضرموت؟
يغيب القرار المحلي تماماً في خضم هذا الصراع، مجلس المرتزق العليمي تم تحييده تماماً عن المشهد، والقوى السياسية منشغلة بالانقسام، والسعودية والامارات تديران أدوات عسكرية ومالية وإعلامية، للسيطرة التامة على المشهد، وفي ظل هذا التفكك، يصبح السؤال الجوهري، هل يتوقع أحد في الجنوب المحتل أن يُسمح لحضرموت أن تدير نفسها؟
يؤكد أبناء محافظة حضرموت أن الحل الحقيقي يبدأ من خروج الاحتلال السعودي الاماراتي، وأن أي مشروع لا ينطلق من إعادة القرار لأبناء حضرموت أنفسهم سيظل مجرد إعادة تدوير لنفس الأزمة.
أخيراً .. الصراع ليس من أجل اليمن، بل من أجل ما يملكه اليمن
مع اتساع رقعة الاحتقان، بات من الواضح لكثير من أبناء حضرموت أن الصراع السعودي _ الإماراتي تجاوز مرحلة التنافس السياسي إلى مرحلة الصراع على السيطرة المباشرة، وأن الخطاب المتكرر حول مواجهة الحوثيين أو تثبيت الأمن، ليس إلا غطاءً لسباق النفوذ.
وفي نظر كثيرين، لا مستقبل مستقراً لحضرموت ما لم يتوقف هذا الاحتلال الآثم عن العبث بحضرموت وثرواتها، ويستعيد أبناء حضرموت حقهم في إدارة مواردها وموانئها وأمنها.
أما استمرار الصراع الحالي، قد تجعل حضرموت مسرحاً لأخطر من مجرد مواجهة بين السعودية والإمارات داخل اليمن.