من عدن إلى حضرموت: خريطة المجالس وتكتيكات النفوذ

البيضاء نت | مقالات 

بقلم / عبدالرزاق الباشا

 

ما حدث في حضرموت مؤخّرًا لم يكن مفاجئًا لمن تابع المشهد اليمني منذ بداية العدوان، بل كان امتدادا طبيعيًّا لمسار طويل من محاولات تفكيك اليمن عبر أدواتٍ سياسية وعسكرية متعددة الأسماء والولاءات والخيانة المفرطة.

ما يُسمى (المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن التابع للإمارات – ومجلس طارق عفاش في المخاء المدار إماراتيًّا – (مجلس حضرموت) – مجلس المهرة – مجلس شبوة – والمجلس الأعلى للمقاومة الشعبيّة التابع لحزب (الإصلاح) بقيادة حمود المخلافي).

كُـلّ هذه الكيانات ستنتهي رغم اختلاف شعاراتها التي تصب في مشروع واحد: تفتيت اليمن إلى كانتونات متنازعة تُدار بالوكالة عن قوى إقليمية ودولية في مقدمتها أمريكا وبريطانيا وَكَيان الاحتلال الصهيوني عبر أدوات محلية وإقليمية..

وسيبقى المجلس السياسي لصنعاء المناهض للعدوان واحتلال اليمن منذ تأسيسه؛ لأَنَّه تحت قيادة واحدة وقرار واحد موحد ومناهض للعدوان..

وقد عزز موقفَه أكثر.. عندما سجل موقفًا تاريخيًّا إنسانيًّا أخلاقيًّا لمناصرة غزة، وما يزال..

ومن هذا المنطلق كسب شرعية الأرض والإنسان اليمني وتقديرًا واحترامًا إقليميًّا وعالميًّا..

وقلنا أيضًا: ربما سيتم مناشدة صنعاء من أبناء المحافظات المحتلّة لإنقاذهم من الأوضاع التي يمرون بها..

وقلنا: لكن هل صنعاء ستلبي الطلب؟!

وظل التساؤل قائمًا في ذلك الوقت، وما يزال مفتوحًا وسيظل!

حتى جاء بيان السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي.. في مناسبة الذكرى الثامنة والخمسين.. للثلاثين من نوفمبر 1967، وجلاء آخر جندي بريطاني محتلّ للجنوب اليمني..

الذي دعا فيه أبناء الشعب اليمني إلى ميدان السبعين بالعاصمة صنعاء حضورًا عظيمًا ومهيبًا..

كي يؤكّـد للعالم أجمع ثباته العظيم وجهوزيته العالية للجولة القادمة..

وعلى نفس الصعيد، جدَّدَ رئيسُ المجلس السياسي الأعلى مهدي المشاط العهد بالوفاء لشهداء ثورة التحرير والاستقلال (الثلاثين من نوفمبر) وللشعب اليمني بتحرير كُـلّ شبرٍ من أرض اليمن الطاهرة وجزره ومياهه الإقليمية وحماية أجوائه من دنس المحتلّين والغزاة.

 

حضرموت: الهدف القديم المتجدد

حتى لا نذهب بعيدًا عن صُلب الموضوع، وما حدث ويحدُثُ من التحَرّكات الأخيرة في حضرموت جاءت.. بعد لقاءات سعوديّة-أمريكية (ابن سلمان وترامب)، ويبدو أنها أعادت إحياء مشروع قديم كانت الرياض تطمح إليه منذ ستينيات القرن الماضي..

على العموم، دعونا نأخذكم إلى أهم جزئية، وأتمنى التركيز على ما كتبته سابقًا عن المجالس اليمنية، وهذه الجزئية التي بين قوسين هي ما يخص مجلس حضرموت، حتى تتمكّنوا من معرفة ما هو الهدف الأَسَاسي لما حدث في حضرموت اليمن وما وراءه!

 ((كما أسست السعوديّة المجلس الرئاسي من سبعة وثامنهم العليمي، فقبل عدة أسابيع تأسس (مجلس حضرموت) تحت مظلة ما يسمونها الشرعية؛ كي تشرعنه كسابقيه (المجلس الانتقالي الجنوبي) وَ(المجلس السياسي لطارق عفاش) في المخاء، ويتم التعامل معه كمجلس شرعي – وأقصد هنا (مجلس حضرموت) – أمام الرأي العام والمجتمع الدولي، حتى تمر عليه العدة، من ثم ينسلخ من يمانيته وينشئ دولة حضرموت المستقلة، وضمها إلى مجلس التعاون الخليجي وإبقاءه تحت الوصاية والرعاية السعوديّة بالموافقة، أَو من خلال الحضارم المتواجدين بالسعوديّة منذ القدم.

ولا ننسى أن السعوديّة تسعى وراء حضرموت منذ استقلال الجنوب 1967م – عندما هرول (الأمير فيصل) إلى بريطانيا مطالبًا إياها تسليم حضرموت إلى السعوديّة، لولا نباهة وتدارك الثوار الأحرار من حركة الكفاح المسلح وانطلاقهم مباشرةً، وفرض يد الاستقلال في حضرموت، أوقف هذا المشروع الاحتلالي من قبل السعوديّة منذ ذلك الوقت.)) هذا ما قلنا في 19 مايو الماضي 2023م.

 

تبادل أدوار

هنا نتوقف عند بعض الأخبار المتداولة عن إرسال قيادات عسكرية وأمنية سعوديّة إلى حضرموت والتقت بقيادات المنطقة الأولى وقوات حلف حضرموت التابع لمجلس حضرموت الذي سيطر على المنشآت والشركات النفطية..

لتسليم قوات ما يسمى “درع الوطن” الذي يتبع السعوديّة رأسًا وسلفي من الدرجة الأولى..

وما بدا كصراع بين قوات الانتقالي المدعومة إماراتيًّا وقوات درع الوطن المدعومة سعوديًّا، ليس سوى تبادل أدوار بين الحليفين الخليجيين، كُـلّ يسعى لترسيخ نفوذه في الجغرافيا اليمنية وفق تفاهمات غير معلنة.

 

خلاصة القول:

في ظل هذا المشهد المعقد، لا خيار أمام اليمنيين الشرفاء سوى التوحد في مشروع وطني جامع بعيدًا عن الوصاية الخارجية والمشاريع التفكيكية.

فالتاريخ علَّمنا أن اليمن كانت دومًا مقبرة للغزاة، وستظل كذلك، طال الزمن أَو قصر..

والله من وراء القصد.