من البحر الأحمر إلى الكاريبي: شرعية المقاومة في مواجهة قرصنة اللِّص الأمريكي

البيضاء نت | مقالات 

بقلم / ربيع النقيب

 

تتجلَّى اليومَ في المسرح الدولي وحدةُ الموقف والمصير للشعوب الحرة التي رفضت مقايضةَ سيادتها بفُتات المساعدات أَو الخضوع لمنطق القوة الغاشمة؛ فمن ضفاف البحر الأحمر التي تشهد اليوم أكبر عملية تصحيح لموازين القوى التاريخية، وُصُـولًا إلى مياه الكاريبي التي تقاوم الحصار الأمريكي منذ عقود، يرتسم مشهد واحد يجمع بين غطرسة الإمبراطورية الآفلة وبين حق الشعوب المشروع في الدفاع عن كرامتها ومقدراتها.

إن ما تمارسه أمريكا اليوم في الممرات المائية الدولية يتجاوز حدود “الدور الشرطي” المزعوم إلى ممارسة “قرصنة مؤسّسية” تستهدف تركيع كُـلّ نظام سياسي يخرج عن بيت الطاعة الصهيوني-الأمريكي.

ففي البحر الأحمر، تحاول واشنطن عسكرة الملاحة وحمايتها لصالح كيان غاصب يمارس الإبادة الجماعية حتى الآن، ضاربة عرض الحائط بكل القوانين والأعراف التي تدَّعي حمايتها، بينما في الكاريبي، لا تزال تستخدمُ الحصارَ البحريَّ والاقتصادي كأدَاة قتل جماعي لتجويعِ الشعوب التي اختارت استقلال قرارها الوطني.

إن هذه السياسةَ الاستعماريةَ المتغطرسة هي التي منحت المقاومةَ شرعيتَها المطلقة؛ فالشرعيةُ لا تُستمَدُّ من قرارات دولية تُصاغُ في غرف “الفيتو” المظلمة، بل تُنتزع من ثبات المقاتلين في الميدان ومن إرادَة الشعوب التي لا تقبل الضيم.

إن الفعلَ اليمنيَّ المسدَّدَ في البحر الأحمر ليس مُجَـرّد رد فعل عسكري، بل هو إعلانٌ سيادي يثبت أن الجغرافيا لم تعد مستباحة للأساطيل الأمريكية، وأن أمن البحار مرتبط بالعدالة وليس بالهيمنة.

هذا الترابُطُ الجيوسياسي بين جبهات المقاومة من الشرق إلى الغرب يبرهن على أن العدوّ واحد، وإن تعددت الأساليب؛ فالقرصنةُ التي تستهدفُ سفنَ النفط والغذاء والدواء المتجهة إلى الشعوب المحاصرة في الكاريبي هي ذات العقلية التي تحاول فرض الوصاية على المياه الإقليمية اليمنية.

إلا أن الفارقَ اليومَ يكمُنُ في تنامي وعي وقدرة محور المقاومة، الذي استطاع تحويل أدوات الضغط الأمريكية إلى نقاط ضعف تجعل من البوارج وحاملات الطائرات أهدافًا سهلة ومكلفة للإدارة الأمريكية.

إن معركةَ البحر الأحمر اليومَ تمثِّلُ رأس الحربة في مواجهة هذا الصلف، وهي ترسل رسالة طمأنة لكل الأحرار في العالم، بمن فيهم أُولئك الصامدون في مواجهة الغطرسة الأمريكية في الكاريبي، بأن زمن الاستفراد بالشعوب قد ولى بلا رجعة.

إن دماءَ الأحرارِ التي تسيلُ في طريق القدس هي ذاتُها الروحُ التي تغذِّي حركاتِ التحرّر في كُـلّ بقاع الأرض، مؤكّـدةً أن كسر الهيمنة الأمريكية بات قدرًا محتومًا تفرضُه سواعدُ المقاومين، وأن شرعيةَ المواجهة هي الوحيدة القادرة على صون السلام الحقيقي القائم على العدل والسيادة، لا على الذل والتبعية.

في نهاية المطاف، سيذكر التاريخ أن اليمن، بإمْكَانياته وإيمانه، كان السبّاقَ في وضع حَــدٍّ لعصر العربدة البحرية الأمريكية، ليفتح الباب واسعًا أمام عالم متعدد الأقطاب، لا مكانَ فيه للقراصنة ببدلاتهم العسكرية وربطات عنقهم الدبلوماسية، عالم تحكمه إرادَةُ الشعوب وتصونه تضحياتُ المقاومين.