الانتقام من المشروع القرآني الحضاري
البيضاء نت | مقالات
بقلم / إبراهيم محمد الهمداني
لم يكن اليهود ومن معهم من المتصهينين، أهلا لحمل مشروع حضاري إنساني مطلقا، لأنهم استحقوا غضب الله وسخطه، ومازالوا في موضع لعنته وغضبه، “أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا”، لأنهم انحرفوا وعصوا وتمادوا في طغيانهم واستكبارهم، وتأكيدا على طردهم من رحمة الله، يقول الله تعالى: “لُعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون”، فسُلِبُوا التوفيق والهداية والصلاح، ومن كان ذلك شأنه، لا يعقل أن يُرجى منه أدنى نفع للبشرية، بأي حال من الأحوال، ناهيك عن أن يكون صاحب مشروع حضاري، خاصة وأن اليهود هم المكون الاجتماعي الوحيد، الذي جسد النكوص الحضاري والسقوط الإنساني، في أقبح وأبشع صوره وتجلياته، حيث انحطوا من مرتبة الإنسان، إلى مرتبة الحيوان الأقبح والأقذر حضورا، إمعانا في معاقبتهم وردعهم، قال تعالى: “ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين”، مطرودين من رحمة الله، مجللين بالخزي والعار والذل والهوان، بعد أن كانوا في موضع التكريم والعزة، وتلك العقوبة هي أسوأ منازل الانحطاط والسقوط، التي لم يبلغها سواهم، يقول الله تعالى: “قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شرٌ مكانا وأضل عن سواء السبيل”، ومن كان ذلك موضعه من السخط الإلهي، في مقام الملعون المنحط المنبوذ، لا يمكن أن يكون صاحب مشروع حضاري، أو مصدر رؤية نهضوية تقدمية مطلقا.
إن تكرار الإساءة إلى القرآن الكريم، لا تعدو كونها محاولات انتقامية، من هذا الكتاب المجيد العظيم الكريم، للنيل من قيمته والحط من شأنه، والتشكيك في مضامينه، وانتهاك قداسته وقداسة من أنزله – الله سبحانه وتعالى – وهدم مكانته ودوره في صنع المسار الحضاري المتكامل، ورؤيته النهضوية التقدمية الإلهية، كونه يهدد المشروع اليهودي الإسرائيلي/ الصهيوني، ويكشف زيفه وسقوطه، وينسف وجوده إلى الأبد، وهو ما كشفته الأحداث الراهنة، في معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس، حيث شكلت عملية طوفان الأقصى، وما تلاها من عدوان إجرامي توحشي، إسرائيلي صهيوني غربي عالمي، منعطفا خطيرا في مسار الصراع والمواجهة، بين قوى الإسلام والحق من جهة، وقوى الكفر والباطل من جهة ثانية، وما حققته فصائل الجهاد والمقاومة الفلسطينية، من انتصارات كبرى، وما مثلته قوى محور الجهاد والمقاومة، في عملية إسناد غزة، بانطلاقها من منطلق إيماني قرآني، أكسبها القوة والصمود والقدرة على إنزال أقسى الهزائم، بالكيان الإسرائيلي وحلفائه الصهاينة، على امتداد ثلاث قارات في جغرافيا العالم.
ذلك لأن فصائل وقوى الجهاد والمقاومة، انطلقت بناء على توجيهات القرآن الكريم، بوصفه المشروع الحضاري الحقيقي، الضامن لتحقيق النصر والعزة والكرامة والمنعة والريادة العالمية، بشرط الالتزام بموجهاته وأوامره، والعمل بمقتضى سننه وشروطه، والثقة بوعوده الحتمية، التي هي وعود الله سبحانه وتعالى، ومن أوفى بعهده من الله، ولذلك أحس اليهود بخطورة الوضع عليهم، خاصة وأن هناك من بين العرب والمسلمين، من تمرد على المشروع الإمبريالي، ورفض التبعية والخضوع والاستلاب، لهيمنة قوى الشر والإجرام والطغيان، حيث مثل هذا التوجه العربي الإسلامي الجديد، بالعودة إلى القرآن الكريم كمنهج حياة، وإلى الله تعالى ورسوله وأعلام الهدى، كمصدر للهداية والحصانة من الضلال، أصبح هذا التوجه التحرري، ظاهرة عالمية كبرى، يشار إليها بالبنان، وتستلهم منها كافة الشعوب، معنى الحرية والعزة والسيادة والاستقلال، بعدما ضاقت ذرعا باشتراطات الهيمنة والاستكبار، وعاينت وذاقت مرارة التوحش الصهيوني الإسرائيلي، وبينما تنظر – بإعجاب وإكبار – إلى ذلك النموذج العربي الإسلامي الجهادي المقاوم، الذي انتصر للمستضعفين في غزة، هي تتساءل عن سر تفوق هذا النموذج، على قوى الشر والاستكبار، رغم الفارق الهائل في القدرات والإمكانيات، وليس سوى ذلك النهج القويم، الذي تضمنه القرآن العظيم بين دفتيه، وترجمه على واقع الأرض، فتية آمنوا بربهم وزادهم هدى، وحين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم، زادهم ذلك القول إيمانا، وقالوا بلسان وقلب الواثق بالله: حسبنا الله ونعم الوكيل، “فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم”، وأصبحوا ما هم عليه من التفوق والمثالية المطلقة، ونظرت إليهم جميع الشعوب، كأيقونات تحررية إنسانية خالدة، تمثل مطلق القيم والمبادئ الإنسانية والخير والفضيلة.