اليمن.. النموذج القرآني في نصرة غزة وصناعة معادلات الردع
البيضاء نت | تقرير هاشم علي
في زمنٍ تراجعت فيه المواقف، وتقدّمت فيه حسابات الخضوع والتطبيع على حساب القيم والحقوق، برز اليمن قيادةً وشعبًا كنموذجٍ قرآني فريد، أعاد تعريف معنى نصرة فلسطين، ليس عبر البيانات والشعارات، بل من خلال الفعل المتواصل، والموقف المبدئي، والاستعداد الدائم للمعركة المقبلة.
على مدى عامين كاملين من العدوان الصهيوني على غزة، قدّم اليمن تجربة غير مسبوقة في الإسناد، جمعت بين البعد الإيماني، والقرار السيادي، والفعل الميداني، لتتحول صنعاء إلى واحدة من أبرز عواصم المواجهة مع المشروع الصهيوني–الأمريكي.
عامان من الفعل لا القول
على امتداد 735 يومًا، لم يقف اليمن متفرجًا على الإبادة الجماعية في غزة، بل اختار الانخراط المباشر في معركة الأمة، معتبرًا أن القضية الفلسطينية ليست شأنًا سياسيًا عابرًا، بل قضية هوية وكرامة وواجب ديني.
وخلال هذه الفترة، أكدت القيادة اليمنية، وعلى رأسها السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي، أن نصرة غزة تمثل امتدادًا طبيعيًا للمنهج القرآني الذي يرى في الوقوف مع المظلومين مسؤولية لا تقبل التردد أو المساومة.
البحر الأحمر.. حين نطق بقرار يمني
شكّل الحصار البحري الذي فرضه اليمن على الملاحة الصهيونية واحدة من أبرز محطات الإسناد، حيث تحوّل البحر الأحمر وباب المندب إلى ساحة سيادية أعادت رسم خرائط الملاحة العالمية.
ووفق بيانات القوات المسلحة:
تم استهداف أكثر من 228 سفينة مرتبطة بالعدو الإسرائيلي، بينها 25 سفينة إسرائيلية، كانت أولها سفينة Galaxy Leader في نوفمبر 2023.
إضافة إلى 76 سفينة انتهكت قرار الحظر، توزعت بين:
ـ البحر الأحمر (41 سفينة)
ـ خليج عدن والبحر العربي (13 سفينة)
ـ المحيط الهندي (5 سفن)
ـ البحر المتوسط وميناء حيفا (7 سفن)
وأدى هذا الحصار إلى:
ـ إغلاق ميناء أم الرشراش (إيلات) لمدة عامين.
ـ تكبيد الكيان الصهيوني خسائر اقتصادية كبيرة.
ـ إجبار شركات الملاحة المخالفة على تغيير مساراتها نحو رأس الرجاء الصالح.
صمود يمني
ردًا على هذا الدور، شنّ الأعداء بقيادة العدو الأمريكي وبريطانيا، بدعم أوروبي وصهيوني، عدوانًا واسعًا على اليمن بذريعة “حماية الملاحة”.
غير أن النتائج جاءت معاكسة تمامًا للأهداف المعلنة، حيث:
ـ خاضت القوات المسلحة اليمنية أكثر من 68 مواجهة بحرية مع حاملات طائرات وبوارج أمريكية.
ـ تم إسقاط 22 طائرة أمريكية MQ-9.
ـ أُجبرت خمس حاملات طائرات أمريكية على مغادرة مسرح العمليات.
ـ تعرّض اليمن لما يقارب 3000 غارة، دون أن يؤدي ذلك إلى كسر إرادته أو وقف الإسناد.
وأكد السيد القائد أن هذا الصمود مثّل إفشالًا صريحًا للخطة الأمريكية الرامية إلى تحييد اليمن وإضعاف دوره.
صواريخ اليمن في عمق الكيان
في تطور غير مسبوق، وصلت الصواريخ والطائرات المسيرة اليمنية إلى عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة، في رسالة واضحة بأن المسافة لم تعد عائقًا، وأن الردع لم يعد حكرًا على القوى التقليدية.
وبحسب الإحصائيات الرسمية:ـ بلغ إجمالي عمليات الإسناد العسكرية أكثر من 1830 عملية.
شملت:
ـ صواريخ باليستية ومجنحة وفرط صوتية.
ـ طائرات مسيرة وزوارق حربية.
ومن أبرز الأرقام:
ـ 74 صاروخًا استهدف يافا المحتلة، بينها:
ـ 42 صاروخ “فلسطين 2” الفرط صوتي.
ـ أكثر من 60 طائرة مسيرة على يافا.
ـ أكثر من 60 صاروخًا و120 طائرة مسيرة على أم الرشراش.
وقد فشلت منظومات الدفاع الجوي المتطورة، بما فيها “القبة الحديدية” و“حيتس” و“ثاد”، في التصدي لهذه الهجمات.
المشروع القرآني.. قوة استراتيجية
لا يمكن فهم الدور اليمني بمعزل عن المشروع القرآني الذي أسسه الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي، والذي يرى أن الصراع مع العدو ليس صراع سلاح فقط، بل صراع وعي وإرادة وانتماء.
ويؤكد هذا المنهج أن:
ـ الإيمان ليس حالة شعورية، بل موقف عملي.
ـ الثقة بالله تمثل ركيزة للتحرر من الخوف والخضوع.
ـ التوكل لا يعني التواكل، بل العمل في ميادين المسؤولية.
وقد انعكست هذه الرؤية في:
ـ التعبئة الشعبية الواسعة.
ـ المسيرات المليونية الأسبوعية.
ـ أكثر من نصف مليون فعالية.
ـ تدريب أكثر من 1.1 مليون متدرب ضمن برامج التعبئة.
التحضير للمعركة القادمة
ترى القيادة اليمنية أن وقف العدوان على غزة لا يعني نهاية الصراع، بل محطة في مسار طويل من المواجهة، ما يستوجب:
ـ الحفاظ على عناصر القوة.
ـ تعزيز الجهوزية العسكرية والشعبية.
ـ مواجهة محاولات الالتفاف والنكث بالاتفاقات.
وأكد السيد القائد أن العدو الصهيوني، بشراكة أمريكية، يسعى إلى فرض معادلة الاستباحة، وأن المرحلة القادمة تتطلب وعيًا أعلى واستعدادًا أشمل.
اليمن.. نموذج قرآني للإسناد وصناعة القوة
بعد عامين من الإسناد، لم يعد اليمن مجرد بلد داعم لغزة، بل تحوّل إلى نموذج قرآني حي يثبت أن الأمة قادرة على النهوض حين تعود إلى جذورها الإيمانية، وتتحرر من الخوف، وتمتلك قرارها.
من صنعاء خرج القرار، وفي غزة تجلّى الصدى، وبين البحر الأحمر وسماء فلسطين، كتب اليمنيون صفحة جديدة في تاريخ الصراع، عنوانها: الإيمان حين يتحول إلى قوة.. يصنع المعادلات، ويهيئ للمعركة القادمة بثبات لا ينكسر.


