مشروع “إسرائيل الكبرى”.. الانعكاساتُ الإقليمية وخيارات المواجهة
البيضاء نت | مقالات
بقلم / مبارك حزام العسالي
لم يكن الكَيانُ الصهيوني يومًا ملتزمًا بالقانون الدولي، لكن في مراحل سابقة كان يحرص على التظاهر بذلك ولو شكليًّا، مخافة أن تتأثر صورته أمام الرأي العام العالمي أَو أن تزداد الضغوط السياسية عليه. اليوم، تغير المشهد جذريًّا؛ فلم يعد هناك حتى هذا الحرج الدبلوماسي، بل تحرّر الكيان من أي التزام صوري بالقواعد الدولية؛ لأَنَّه يعلم أن هناك غطاءً غربيًّا كاملًا، سياسيًّا وعسكريًّا وإعلاميًّا، يحميه من أية مساءلة، مهما كانت جرائمه فاضحة وواضحة.
هذا الغطاء ليس وليدَ اللحظة، بل هو ثمرةُ عقودٍ من التوظيف الغربي للكيان كأدَاة استراتيجية في قلب الشرق الأوسط، تضمن بقاء المنطقة في حالة انقسام وضعف دائمين، وتؤمّن المصالح الاستعمارية في مواردها وممراتها الحيوية.
نتنياهو.. الصوت والصورة بلا أقنعة
في هذا المناخِ المليء بالغطرسة، خرج بنيامين نتنياهو أمام العالم، لا في جلسة مغلقة ولا في تسريب صحفي، بل بالصوت والصورة، ليعلن إيمانه العميق بـ”إسرائيل الكبرى”. لم يكتفِ بوصفها هدفًا سياسيًّا، بل قال إنها مهمته الروحية المقدسة؛ مِن أجلِ اليهود في العالم أجمع. هذا التصريح، الذي جاء من أعلى هرم السلطة في الكيان، ليس مُجَـرّد جملة عابرة، بل إعلان رسمي عن طبيعة المشروع الصهيوني في أبعاده العقائدية والتوسعية.
من الخفاء إلى العلن
ما كان يُقال همسًا في أروقة الحركة الصهيونية منذ نشأتها، أصبح اليوم يُقال على الملأ بلا خوف من ردود الفعل.
في بدايات المشروع الصهيوني، كانت فكرة “إسرائيل الكبرى” حاضرة في الأدبيات السياسية والدينية، لكنها كانت تُطرح داخل المؤتمرات الداخلية أَو تُدرّس في مدارس الفكر الصهيوني. اليوم، نحن أمام مرحلة جديدة: قادة الكيان يتحدثون علنًا عن خريطة توسعية تشمل مناطق واسعة من الوطن العربي، وكأنها أمر مفروغ منه.
ردود الفعل.. بين الإدانة الباردة والصمت المطبق
الأردن، وهو أول المتأثرين جغرافيًّا وسياسيًّا بمثل هذه التصريحات، سارع إلى الإدانة، وهذا موقف مفهوم، لكنه يبقى في إطار رد الفعل الدبلوماسي التقليدي. أما بقية العواصم العربية والإسلامية، فإما صمتت تمامًا، أَو أصدرت بيانات باهتة لا تليق بحجم الخطر. وكأنهم يواجهون تصريحًا عابرًا لا إعلان حرب شامل ضد الأُمَّــة بأسرها.
إعلان حرب لا لبس فيه
حين يصرح رئيس حكومة الكيان أن “إسرائيل الكبرى” هي مهمته الروحية، فهذا يعني أن المشروع ليس مُجَـرّد طموح سياسي، بل عقيدة دينية سياسية متكاملة، تستند إلى نصوصهم وتأويلاتهم، وتترجم إلى سياسات توسعية واستيطانية. هذه ليست مسألة تخص الفلسطينيين وحدهم، بل هي إنذار لكل دولة عربية وإسلامية بأن حدودهم وأرضهم وسيادتهم ليست في مأمن.
التاريخ الفكري لمشروع “إسرائيل الكبرى”
تعود جذور فكرة “إسرائيل الكبرى” إلى النصوص المؤسّسة في الفكر الصهيوني، حَيثُ تُصوَّر أرض الميعاد على أنها تمتد من النيل إلى الفرات. منذ المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897، كان الحديث عن الدولة الصهيونية الكبرى حاضرًا في النقاشات الداخلية. ومع إنشاء الكيان عام 1948، بدأ التطبيق الفعلي لهذه الفكرة عبر التوسع العسكري، واحتلال المزيد من الأراضي في 1967، وُصُـولًا إلى مخطّطات تهويد القدس والضفة الغربية، وتثبيت السيطرة على الجولان.
الغرب.. الغطاء والحامي
يدرك الكيان أن مشاريعه التوسعية لن تمر لولا الدعم الغربي، وخُصُوصًا الأمريكي، الذي لا يكتفي بحمايته سياسيًّا، بل يمده بكل أشكال الدعم العسكري والتكنولوجي والمالي. الغطاء الإعلامي الغربي، الذي يبرّر جرائمه ويشيطن ضحاياه، هو أحد أهم الأسلحة التي يمتلكها؛ إذ يضمن أن تبقى صورته في الغرب مرتبطة بـ”الديمقراطية” و”الحق في الدفاع عن النفس”.
الواقع العربي والإسلامي.. بيئة مواتية للتوسع
الانقسام العربي، والصراعات البينية، والانشغال بالقضايا الداخلية، كلها عوامل تجعل البيئة الإقليمية مثالية لتنفيذ المخطّطات الصهيونية. فحين يكون العالم العربي ممزقًا، يصبح من السهل تمرير أي مشروع توسعي دون أن يجد مقاومة حقيقية على المستوى الرسمي.
التطبيع.. جسر العبور للمشروع الصهيوني
ما يزيد خطورة الموقف أن بعض الدول العربية تسير في مسار التطبيع العلني مع الكيان، بل وتفتح له أبواب الاستثمار والوجود الثقافي والإعلامي، وكأنها تعطيه شهادة براءة سياسية وأخلاقية. هذا التطبيع لا يخدم إلا مشروع “إسرائيل الكبرى”؛ لأَنَّه يطبع في الوعي العربي فكرة أن الكيان جزء طبيعي من المنطقة.
لحظة التوحد أم الفرصة الضائعة؟
التاريخ يُظهر أن الأمم لا تتوحد إلا في لحظات الخطر الوجودي. إذَا لم يكن تصريح نتنياهو بمثابة إعلان حرب يستدعي توحيد الصفوف، فمتى سيكون ذلك؟ إن لحظة التوحد الحقيقية لا تأتي من بيانات القمم ولا من بروتوكولات المؤتمرات، بل من إدراك الشعوب أن ما يجري معركة وجود لا خيار فيها إلا النصر أَو الفناء.
المعادلة واضحة
إما أن تواجه الأُمَّــة المشروع الصهيوني بكتلة واحدة، أَو تُستهلك تدريجيًّا في حروب داخلية واستنزاف طويل الأمد حتى تُفرض عليها الشروط بالكامل. التوحد ليس خيارًا رفاهيًّا، بل ضرورة بقاء. فالعدوّ أعلن خريطته بوضوح، ولم يعد يخفي نواياه، والغرب جاهز لحمايته بكل الوسائل، والكرة في ملعبنا نحن.
الخلاصة
نحن أمام أخطر مرحلة في الصراع العربي الصهيوني منذ 1948. الفرق أن العدوّ هذه المرة لا يتخفى، بل يعلن أهدافه علنًا، والعالم الغربي يصفق له، وبعض العرب يفتحون له الأبواب. إما أن تكون هذه اللحظة بداية نهضة ووعي ووحدة، أَو أن يسجل التاريخ أننا عشنا زمن الخيانة والصمت، فخسرنا الأرض والكرامة والسيادة معًا.
هذا النص جاهز للنشر الصحفي بصيغة مقال تعبوي طويل، ويمكنني إن أردت أن أضيفَ له ملاحق تحليلية عن الخرائط التاريخية لمشروع “إسرائيل الكبرى” وأبرز المراحل التي اقترب فيها الكيان من تحقيق أجزاء منه، ليكون أكثر توثيقًا وقوة إعلامية.