المال المُذِل
البيضاء نت | مقالات
بقلم / د. عبدالرحمن المختار
الأصلُ أن مَن بيده وفرةٌ من المال، وإن كان ذليلًا جبانًا خانعًا، أن يصنعَ لنفسه بما بحوزته من المال مكانة ـ ولو زائفة ـ في مواجهة الآخرين، لكن أن يكون مَن بيده المال ذليلًا مُهانًا فهذا الأمر يُعَدُّ من أغرب غرائب هذه الدنيا، وفي هذا الزمن تحديدًا، وفي منطقتنا العربية خصوصًا، وفي ثلاثي الخليج النفطي حصرًا.
لعل الأغلبَ تابَعَ قمةَ ألاسكا بين الرئيسين الأمريكي ترامب والروسي بوتين، ولعل البعض لاحظ نزعةَ الاستكبار “الترامبية”، حين استقبل ضيفَه الروسي في القاعدة العسكرية الأمريكية، فقد وصلت طائرة ترامب قبل طائرة بوتين بنصف ساعة تقريبًا.
ولم يغادر ترامب طائرتَه إلَّا بعد وصول طائرة الرئيس الروسي بوتين واستقرارِها على أرض القاعدة العسكرية، حينها أطلَّ المستكبِرُ ترامب من باب طائرته في ذات الوقت الذي تمّت فيه الاستعداداتُ لفتح باب طائرة بوتين بعد التصاقِ السُّلَّمِ المتحرِّك بها.
وحين غادر المستكبر ترامب طائرته لم يتجه إلى أسفل سُلَّمِ طائرة الرئيس الروسي لاستقباله والترحيب به، بل توجّـه مباشرة بعد نزوله من سلم طائرته إلى منتصف ساحة القاعدة العسكرية مترجّلًا على سجادة حمراء أُعدَّت خصيصًا لذلك، وتوقف في نقطة محدّدة فيها.
وفي ذات التوجّه نزل الرئيس الروسي من سُلَّمِ طائرته مترجِّلًا على سجادة حمراء أَيْـضًا، مقابلة لتلك التي ترجّل عليها ترامب، ليلتقيا معًا في نقطةٍ محدّدة، عندها صافح المستكبِرُ ترامب ضيفَه الرئيس الروسي، وسارا معًا على سجادة حمراءَ عرضُها ضِعفُ تلك التي ترجّل عليها كُـلٌّ منهما، أوصلتهما إلى منصة تحيط بها الطائرات الشبحية من جهتين.
قد يكون ذلك بروتوكولًا، لكنه غير معتاد في استقبال الرؤساء الأمريكيين لضيوفهم في البيت الأبيض، حيث يُكتفى بالاستقبال عند إحدى بوابات البيت الأبيض، وليس معتادًا أن ينتظر الرئيس الأمريكي ضيوفه من رؤساء الدول والحكومات في المطار.
الملفت في الأمر أن الحكام العرب في الثلاثي الخليجي النفطي، حين استقبلوا ترامب في المطارات في عواصم بلدانهم، انتظروا وقتًا طويلًا على أرض المطار، وفي حرارة الشمس، إلى أن تمت التجهيزات لنزول الضيف المحتاج، وحينها وبعد نصف ساعة من انتظار محمد بن سلمان، أطل ترامب من باب طائرته التي ترتفع عن الأرض بحوالي طابقين أو أكثر بمقياس البناء، والجميع بما فيهم محمد بن سلمان على أرض المطار وترامب يعلوهم وكأنه إلهٌ أبصارهم شاخصة إليه!
كل تلك الإهانة، وكل ذلك الذل، وكل ذلك الصَّغار، رغم أن ترامب جاء محتاجًا إلى مال محمد بن سلمان، ولم يكن محمد بن سلمان بحاجة إليه، وكان الأجدر به أن ينام على سريره إلى أن يصل ترامب وينتظر أيامًا أو أسابيعَ، وبعدها ينظر محمد بن سلمان في حاجته، وما إذا كان مستحقًّا أن يمنحَه قرضًا أو هبةً أو صدقة!
لكن ما حدث كان صادمًا؛ فأن يأتيَ المحتاج طالبًا حاجته شامخًا مستكبرًا فذلك أمر غير معتاد، وليس ذلك فحسب، بل لقد سبق سوءُ المحتاج وصولَه بسنوات، حين وصف صاحب المال بـ”البقرة الحلوب”، ولم يكن وصوله مفاجئًا، بل لقد كان لدى محمد بن سلمان فسحة من الوقت يمكنه خلالها الاستعداد لرد الإهانة لذلك المحتاج الوقح!
ليس من الغريب أن يُهين صاحب المال غيرَه اعتمادًا على ما للمال من سطوة، لكن أغرب الغرائب أن يُهين المالُ صاحبَه، وأن تكون الإهانة من المحتاج للمال، وليس من نظيرٍ آخر مالكٍ لقدْر أكبر أو مساوي من المال.
ولم يقتصر الأمر على محمد بن سلمان فقط، بل لقد تنافس ثلاثي النفط الخليجي على تقديم أفضل ما لديهم من عروض لذلك المحتاج المستكبر، فالجميع انتظر لأوقات متقاربة في أرض المطار للاستقبال، والجميع استمتع بالنظر إليه من أرض المطار وهو في علوه عقب خروجه من باب طائرته وترجّله على سلّمها!
إنه أغرب استقبال لأوقح محتاج على وجه الأرض، وإنه أغرب تنافس بالترليونات النقدية والهدايا العينية، ولقد بالغ البعض منهم في الحفاوة بهذا المحتاج، حين أخرج الفتيات السافرات متمايلات بأجسادهن، ملوِّحات بشعورهن وبما في أيديهن مما جاد به الربيع من ورود وأزهار!
كل ذلك حفاوة من ثلاثي النفط الخليجي بذلك المحتاج الوقح! فكيف ستكون حفاوة واستقبال هذا الثلاثي الخليجي النفطي لغيره من الأتقياء الأنقياء، غير المحتاجين للمال، ممن لهم رصيد هائل من الرجولة والعزة والكرامة والنخوة والشهامة، ولديهم استعداد تام لتزويد هذا الثلاثي النفطي بمنحة مجانية منها؟