المولد النبوي الشريف.. فريضة الاحتفال وعظمة النعمة 

البيضاء نت | مقالات 

 
 إبراهيم محمد الهمداني

 

مما لا شك فيه إن الله سبحانه وتعالى، قد جعل للأيام المرتبطة بأنبيائه قيمة عظيمة، وجعل تعظيمها وإحياءها، من صميم الدين وصدق التدين، وجعل الاحتفال والاحتفاء بها وتعظيمها، مصداقا لتحقق تقوى القلوب، كونها مناسبات دينية عظيمة، تذكر الناس بعظمة النعمة الإلهية عليهم، لأن نعمة الهداية هي أعظم وأجلّ النعم، التي خصَّ الله سبحانه وتعالى بها عبادة، بل هي الركيزة الأساس لحصول وتمام جميع النعم، ومن أهم تلك الأيام المرتبطة بالأنبياء – حاملي نعمةِ الهدايةِ – ثلاثة أيام تلخص مجمل حياة الأنبياء والمرسلين، في مسيرتهم الرسالية، تبدأ من يوم الميلاد، بوصفه يوم ميلاد نعمة الهداية، الكامنة في ميلاد حاملها ومبلغها، ولذلك جعله الله سبحانه وتعالى، يوم سلام وأمن وخير وبركات وبشارات، التي تضمنها هذا المولد الشريف في ذاته، ونثرها على المجتمعات البشرية من حوله، حيث السلام من الله تعالى على النبي يوم مولده، هو سلام وأمان وتشريف وتكريم، لجميع الناس من حوله، لأنه بشارة النور فيهم، وحامل نعمة الهداية إليهم، ومفتاح سلامتهم وأمانهم وسعادتهم، ومن ذلك قوله سبحانه وتعالى، في مقام نبيه الكريم يحيى بن زكريا عليهما السلام: “وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا”، وقوله تبارك وتعالى – في ذات السياق والمناسبة – حكاية على لسان نبيه عيسى بن مريم عليهما السلام: “والسلام عليَّ يوم وُلِدتُّ ويوم أموت ويوم أبعث حيَّاً”، وهكذا أصبح المولد الشريف، مناسبة دينية مقدسة بالسلام الإلهي، مشرَّفة بشرف مقام صاحبها، وعظيمة بما تحمله من جليل نعمة الهداية، وفي ذات السياق جاء تشريف وتعظيم الله تعالى، ليوم مولد نبيه الأكرم، محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، في أجل وأعظم وأكبر تشريف، بوصفه الرحمة المهداة للبشرية جمعاء، وتجسيد الفضل الإلهي العظيم على عباده، حتى أنه أصبح السلام ذاته والرحمة عينها، والفوز والتشريف الخالص، الموجب للفرح والاحتفال والسعادة الدائمة، فقال سبحانه وتعالى: “قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون”، فهو الخير العظيم المطلق، الذي امتزج بفضل ورحمته، ولا يضاهيه أو يدانيه خير، وإذا كان لهم أن يفرحوا، فبذلك؛ أي بهذا النبي الكريم في حالاته وتمثلاته فليفرحوا، لأنه في جلال شخصه ومقامه، وفي جليل دوره ومهامه، الأجدر أن يكون مناسبة لفرحتهم، وتذكر نعمة الله العظيمة عليهم، وذلك خير مما يجمعون.

إن الاحتفال بهذه المناسبة العظيمة والذكرى الجليلة، هو في المقام الأول، أداء لفريضة دينية واجبة، واستجابة لنصَّ الأمر الإلهي الصريح، المؤكد باللام المسبوق بالفاء، واستمرار الفعل المضارع، في زمنه الممتد من الحاضر نحو المستقبل، إلى ما لا نهاية، لتصبح “الفرحة/ فليفرحوا” طقسا تعبديا دائما، وشعيرة دينية مستمرة بانفتاح زمنها، وطاعة مفروضة كالصلاة، تحمل في تموضعاتها السياقية والزمنية، مدلولات الوجوب الشامل والاستمرار المطلق، في اتساق عجيب ومذهل، مع مدلولات شمولية النعمة/ الرسول الأعظم، واستمرار تجسد الرحمة الإلهية فيه، ومدلولات شمولية دور المبعوث “للناس كافة”، “رحمة للعالمين”، على فضاء المكان الوجودي الشامل، ومهمة “خاتم الأنبياء والمرسلين”، على فضاء الزمان المفتوح، على شرط استمرار الوجود ودوام الحياة.

يجب أن نعي ويعي المسلمون جميعا، حقيقة وأهمية هذه المناسبة العظيمة، وأن إحياءها والاحتفال بها، واجب ديني وفريضة مؤكدة، لتجديد العهد والولاء والارتباط، بنعمة الهداية ونهج الخلاص والفلاح، وتذكير الناس بعظمة الرحمة الفضل الإلهي، وتوحيد الصفوف والمواقف والجهود، وتوجيهها لمواجهة عدو الله وعدونا جميعا، كون ذلك أحد مظاهر الحمد والشكر لله، الكفيل بدوام النعمة واستمرار بركاتها، خاصة وأننا نحتفل بذكرى مولد، أشرف وأجل وأعظم إنسان في تاريخ البشرية، بلغ ذروة الجلال والكمال والجمال، طهره الله وزكاه وانتجبه واصطفاه، ورفع شأنه وشرف مقامه واجتباه، واختصه بتبليغ رسالته وتجسيد رحمته، وصلى وسلم عليه قبل ملائكته وسائر خلقه، ثم حثهم ورغَّبهم في الصلاة والسلام عليه، معللا أمره إليهم، بمبادرته هو وملائكته إلى ذلك قبلهم، فقال جل وعلا: “إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما”، وجعل أجر الصلاة الواحدة “على محمد وآله”، تعود على العبد بعشر صلوات، من الله سبحانه وتعالى مباشرة، وضاعف أجرها في الدنيا والآخرة؛ بها يستجاب الدعاء، وتُفرج الهموم والكربات، وتتنزل الألطاف والرحمات، وتفتح أبواب الخير والبركات، وتُنال مقامات التشريف وجليل المكرمات، وما ذلك إلا غيض من فيض أسرار مقام الرسول الأعظم، محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، خاتم الأنبياء وسيد المرسلين، وتمام نور رب العالمين، من أمرنا الله تعالى بإجلال قدره وتعظيمه، وجعل ذلك سببا للفوز والفلاح، فقال سبحانه وتعالى: “فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون”.