خطة على حساب الدم الفلسطيني .. الأبعاد والدلالات الخطيرة للمقترح الأمريكي بشأن غزة
البيضاء نت | تقرير
في وقت يعاني فيه قطاع غزة من كارثة إنسانية غير مسبوقة، أُميط اللثام عن مقترح أمريكي يروّج لما يسمى “حلولاً انتقالية” أو “إنقاذ إنساني”، تتضمن إخراج السكان مؤقتاً من القطاع، إقامة إدارة مؤقتة بإشراف دولي أو عربي، ونزع سلاح المقاومة. لكن خلف هذا الطرح، تقف دلالات وأهداف أعمق تثير المخاوف من تصفية ممنهجة للقضية الفلسطينية وطمس حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية.
تفاصيل الخطة الأمريكية
تنص الخطة، التي نُشرت مساء الاثنين، على إطلاق حوار بين “إسرائيل” والفلسطينيين للتوصل إلى أفق سياسي يضمن “تعايشاً سلمياً ومزدهراً”، مع تأكيد أن “إسرائيل” لن تحتل غزة أو تضمها، ولن يُجبَر أي طرف على مغادرتها.
وتشمل الخطة تعليق جميع العمليات العسكرية “الإسرائيلية” في غزة، بما في ذلك القصف الجوي والمدفعي، لمدة 72 ساعة من لحظة إعلان “إسرائيل” قبولها العلني للاتفاق، يتم خلالها إطلاق سراح جميع الأسرى “الإسرائيليين الأحياء وتسليم رفات القتلى.
كما تقضي الخطة بانسحاب جيش الاحتلال وفق جداول زمنية مرتبطة بعملية نزع السلاح يتم الاتفاق عليها مع القوات “الإسرائيلية” والضامنين والولايات المتحدة.
وبحسب الخطة، ستفرج “إسرائيل” بعد استكمال إطلاق الأسرى عن 250 أسيراً فلسطينياً محكوماً بالمؤبد، إضافة إلى 1700 من أسرى قطاع غزة بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.
كما تعهدت الخطة بإدخال المساعدات بشكل كامل وفوري إلى القطاع عند قبول الاتفاق، مع تنفيذ البنود الأخرى، بما في ذلك توسيع نطاق المساعدات، في المناطق التي يصفها الاتفاق بـ”الخالية من الإرهاب” إذا تأخرت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” أو رفضت المقترح، بحسب الخطة المزعومة.
وتنص الخطة على توفير ما أسمته “ممرا آمنا” لأعضاء “حماس” الراغبين في مغادرة القطاع، بينما أكد ترامب أن الدول العربية والإسلامية ستكون مسؤولة عن التعامل مع “حماس”، ما يسلط الضوء على دعم الولايات المتحدة الكامل للاحتلال في أي تصعيد محتمل.
وتدعو الخطة إلى نزع سلاح “حماس” بشكل فوري، وتدمير بنيتها العسكرية، مع تهديد الحركة بعقوبات في حال رفض الاتفاق، في حين لا تُفرض على “إسرائيل” قيود مماثلة على تحركاتها العسكرية، ما يعكس سياسة الكيل بمكيالين في التعامل مع الطرفين.
كما تقترح الخطة تأسيس “هيئة دولية إشرافية جديدة” على قطاع غزة باسم “مجلس السلام”، يشرف عليه ترامب شخصياً بمشاركة توني بلير (رئيس الحكومة البريطاني الأسبق والمُتهم بارتكاب جرائم حرب)، ليكون مسؤولاً عن تشكيل حكومة في غزة بمشاركة فلسطينيين وغيرهم، مع استبعاد “حماس” من أي دور فيها.
دلالات الخطة .. تصفية ناعمة أم تهجير صريح؟
يرى مراقبون ومحللون أن جوهر الخطة ليس إنقاذياً كما يُسوّق، بل هو تحويل الكارثة الإنسانية إلى فرصة سياسية لتفريغ غزة من سكانها أو تحييدها ديموغرافياً، بما يخدم الأجندة الإسرائيلية في “إعادة ترتيب” القطاع دون مقاومة، ودون عودة لسلطة حماس أو أي فصيل مقاوم، واستمرار التهجير القسري تحت غطاء “الحلول الإنسانية”، كما أن الخطة تتجاوز الإغاثة الطارئة إلى طرح “خروج مؤقت”، ما يذكّر بكوارث النكبة عام 1948 والنكسة عام 1967.
حقوقيون حذّروا من أن الحديث عن الخروج المؤقت هو إعادة إنتاج لسياسات التهجير، لا تختلف كثيراً عن “الترانسفير” الذي لطالما دعت إليه أطراف يمينية إسرائيلية.
تفكيك وحدة الأرض الفلسطينية
غزة، رغم حصارها وعزلتها، جزء لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية، وأي فصل إداري، سياسي، ديموغرافي، عنها يعني ضرب فكرة الدولة الفلسطينية الموحدة، لأن “غزة الجديدة” التي تطرحها الخطة تبدو وكأنها مشروع دولة بديلة، بلا قدس، بلا حق عودة، بلا سيادة، كما أن اشتراط نزع سلاح المقاومة مقابل البدء في إعادة الإعمار يُحوّل المعاناة الإنسانية إلى أداة ضغط لإخضاع غزة، ويشرعن الحصار والحرب باعتبارها أدوات “تحسين سلوك سياسي”.
ردود الأفعال تجاه الخطة الأمريكية
أثارت الخطة التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوقف الحرب في قطاع غزة، ردود فعل دولية واسعة تراوحت بين الترحيب الحذر والرفض الصريح.
فقد رحّب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالمبادرة الأميركية، ودعا “إسرائيل” إلى التعامل معها بجدية، مؤكدًا استعداد بلاده للمساهمة في تنفيذها، بينما عبّر رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر عن دعمه الكامل للخطة.
كما رحّب رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر بخطة ترامب. وقال “ندعو جميع الأطراف إلى التكاتف والعمل مع الإدارة الأميركية لإتمام هذه الاتفاقية وتجسيدها على أرض الواقع. على حماس الآن الموافقة على الخطة وإنهاء المعاناة، وذلك بإلقاء سلاحها وإطلاق سراح جميع الأسرى المتبقين”. كما أشاد رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير بخطة ترامب، واصفا إياها بأنها “خطة شجاعة وذكية”، وقال في بيان: “لقد عرض الرئيس ترامب خطة شجاعة وذكية، يمكن إذا تم الاتفاق عليها أن تُنهي الحرب، وتُدخل الإغاثة الفورية لقطاع غزة، وتمنح فرصة لمستقبل أكثر إشراقا وأفضل لسكانه، مع ضمان الأمن المطلق والمستمر لإسرائيل والإفراج عن جميع الرهائن”.
وفي روما، وصفت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجا ميلوني المقترح بأنه “نقطة تحول” قد تفتح الباب أمام وقف دائم للقتال.
من جانبها، أعلنت النرويج وباكستان مواقف داعمة، حيث اعتبرت أوسلو أن نجاح الخطة يتوقف على استجابة الاحتلال الإسرائيلي، فيما شدد رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف على أن “(السلام العادل) شرط أساسي لاستقرار المنطقة”.
وعلى المستوى العربي، أكدت كل من السعودية والأردن ومصر وقطر والإمارات استعدادها للتعاون مع الولايات المتحدة والأطراف الدولية لضمان تنفيذ الخطة، بينما رأت السلطة الفلسطينية في المبادرة “فرصة لوقف حرب الإبادة على غزة”.
في المقابل، جاءت مواقف المؤسسات والقوى الفلسطينية أكثر تحفظًا؛ إذ أعلنت حركة “الجهاد الإسلامي” رفض المقترح بشكل قاطع، ووصف أمينها العام زياد النخالة الخطة بأنها (اتفاق أميركي – إسرائيلي) لا يعبر إلا عن مصالح الاحتلال، محذرًا من أنها قد تشعل المنطقة بدل أن توقف الحرب.
بدوره قال مدير عام “المكتب الإعلامي الحكومي” في قطاع غزة، إسماعيل الثوابتة، إن ما يُسمى بخطة ترامب لوقف الحرب في غزة “لا تمثل حلاً حقيقياً أو موضوعياً منصفاً”، معتبراً إياها “محاولة لفرض وصاية جديدة تُشرعن الاحتلال الإسرائيلي وتُجرّد الشعب الفلسطيني من حقوقه الوطنية والسياسية والإنسانية”.
وأكد الثوابتة، في تصريح صحفي الاثنين، أن “الطريق الوحيد لوقف الحرب هو إنهاء العدوان (الإسرائيلي) ورفع الحصار الظالم ووقف الإبادة الممنهجة، ومنح شعبنا حقه في العيش بحرية وكرامة، وضمان حقوقه الثابتة في الحرية والاستقلال وتقرير المصير، بالتزامن مع اعتراف العالم بحق شعبنا في إقامة دولته الفلسطينية”.
خطورة السيناريوهات القادمة
إذا مضت هذه الخطة دون معارضة كافية، فإن التبعات ستكون كارثية، وتغيير ديموغرافي طويل الأمد في غزة، بالاضافة إلى فصل القطاع عن الضفة الغربية، مما يُنهي فعلياً مشروع الدولة الفلسطينية، واستدامة الاحتلال بصيغة جديدة، من خلال إدارة “مدنية” لكن تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية، والأخطر من هذا كله هو تحول المقاومة إلى ميليشيا خارجة عن القانون، في نظر العالم، مما يفتح الباب أمام استهدافها بلا غطاء سياسي.
القضية الفلسطينية على مفترق خطير
اللحظة الراهنة هي واحدة من أخطر ما واجهته القضية الفلسطينية منذ النكبة، فبين كارثة إنسانية وحرب شرسة، تظهر محاولة دولية لإعادة صياغة الواقع الفلسطيني بقوة الجوع والحصار، لا بالعدالة أو الحقوق.
الخطة الأمريكية، وإن تمّ تجميلها بلغة الإعمار والسلام، تمضي في مسار تصفية ممنهجة، تستهدف جوهر القضية، الأرض، الشعب، والحق في المقاومة.
مقاومة الخطة البديلة .. واجب وطني وعربي
إن إفشال هذا المسار لا يتوقف على الفصائل وحدها، بل على إرادة الشعب الفلسطيني، ومواقف حاسمة من الدول العربية والإسلامية، وعلى تحرك الرأي العام العالمي.
غزة ليست عبئاً، بل جزء من قلب فلسطين. وأي خطة لا تُبنى على العدالة، وحق تقرير المصير، وإنهاء الاحتلال، لن تكون سوى وصفة جديدة للفوضى والتفكك والانفجار.
المصدر: موقع يمانيون