الجزيرة وخطة ترامب .. منبر المقاومة أم أداة تدجين؟

البيضاء نت | تقرير 

 

منذ تأسيسها في عام 1996، قدّمت قناة الجزيرة نفسها كمنصة إعلامية جريئة كسرت حاجز الرقابة الرسمية، واقتحمت ملفات سياسية كانت في السابق من المحرمات، ولعقود، احتلّت القناة مكانةً خاصة في الوجدان العربي، باعتبارها صوتًا يتبنّى قضايا الشعوب، وخصوصًا قضية فلسطين.

ما الذي تغيّر؟

بعد إعلان الرئيس الأمريكي ’’ترامب’’ لما عُرف بصفقة القرن ثم مؤخرًا خطته لإعادة تشكيل واقع غزة، بدأ كثير من المراقبين يطرحون تساؤلات عميقة، هل ما تزال الجزيرة علىما كانت في ظاهرها الذي جعلها في صف المقاومة؟ أم أنها أصبحت، بحكم التمويل أو التوجيه السياسي، أداة ناعمة تُسوّق لمشاريع التسوية والانصياع، وتساهم في تطبيع الواقع مع الاحتلال؟

إن هذا التقرير لا يأتي انطلاقًا من موقف مسبق، بل من استعراض تفصيلي لوقائع وتحليلات وشهادات توحي بأن قناة الجزيرة عن قصد أو من خلال سياسات محسوبة، انزلقت إلى لعب دور إعلامي خطير في خدمة مشروع خبيث يعيد رسم خرائط فلسطين وفق الرؤية الصهيونية.

 

خطة ترامب .. موعد الظهور العلني للجزيرة باسم المشروع الصهيوني

في مطلع عام 2020، أطلق ترامب رسميًا ما عُرف حينها بـ”صفقة القرن”، لتتحول لاحقًا إلى سلسلة مشاريع ميدانية تهدف إلى فرض حلول بالقوة على الفلسطينيين، خصوصًا في قطاع غزة.
وفي سبتمبر 2025، كشفت تقارير دولية عن تفاصيل خطة جديدة مشتركة بين ترامب ونتنياهو تتضمن، إقامة هيئة حكم تقنية مؤقتة في غزة تُستبعد منها حماس بشكل واضح، ونزع سلاحها وتحويل الملف الأمني إلى إشراف دولي بالتنسيق مع الاحتلال، وتدخّل مباشر من دول عربية في الشأن الفلسطيني، بحجة الإعمار والتنمية، مقابل التزام أمريكي بمنع عودة المقاومة إلى الحكم أو التسليح.

هذه البنود، التي تُقدَّم على أنها “مبادرة سلام”  في حقيقتها، هي خطة متكاملة لإخضاع غزة وتصفية المقاومة، وتمهيد الطريق لسلام اقتصادي وهمي.

 

الجزيرة في قلب المشهد ..  ترويج ناعم أم انحياز صريح؟

تزامنًا مع الإعلان عن الخطة، لوحظت تحولات واضحة في خطاب قناة الجزيرة، من خلال التحليل الانتقائي للخطة، ونشرت القناة عدة تقارير تحليله عن خطة ترامب ونتنياهو، باستخدام لغة القبول الحاسمة، وكشاهد على ذلك ما نشرته في أحد تقاريرها وهي تجيب عن أسئلة تحليلية حول خطة غزة، اكتفت القناة بعرض تحفظات شكلية على بعض تفاصيل الخطة، لكنها وجهت في أطروحات محلليها هذه الخطة بوصفها حل نهائي وجذري ليس أمام حماس سوى القبول لها .

التحليل الإعلامي للقناة استخدم مصطلحات مثل، “مبادرة” و”حل ممكن” و”فرصة سياسية”، ما يُفهم ضمنيًا كنوع من التمهيد النفسي لقبولها.

 

 استضافة شخصيات مؤيدة ضمن توازن مختل

رصد مراقبون أن الجزيرة كثّفت من استضافة شخصيات محسوبة على تيارات التطبيع أو الجهات التي لا ترى المقاومة المسلحة خيارًا، بينما قللت تدريجيًا من حضور أصوات حماس أو فصائل المقاومة الرافضة،  وفي تغطية خطة ترامب الأخيرة، تم استضافة ثلاث شخصيات لها صلة بمشاريع التطبيع، من السعودية والأردن ، والامارات ، مقابل صوت واحد معارض فقط، دون توفير مساحة كافية للرد.

 

 تغييب لغة المقاومة والشهداء

من اللافت أن تغطية الجزيرة لمجزرة خانيونس الأخيرة (2025) خلت من توصيفات حاسمة كـعدوان صهيوني، وتمت إحالة الحدث إلى “اشتباك” و”عملية ميدانية” بدل توصيفه كجريمة إسرائيلية، وهو تغير كبير في اللغة والسردية التي عملت عليها القناة خلال عامين من معركة طوفان الأقصى

 

شهادات .. هل كانت القناة “شريكًا أمنيًا” دون إعلان؟

بالعودة إلى مرحلة تاريخية سابقة تقدر بعشر سنوات ،فإن بعض الصحفيين استقالوا من شبكة الجزيرة خلال تلك الفترة بعد ما حاولت القناة أن يكونوا جزء من تحوّل خطير في التوجيه التحريري يتعلق بقضية فلسطين.

أحد هؤلاء الصحفيين ، الدكتور ، يحيى أبو زكريا ، والذي كشف حينها ارتباط القناة بمسار تنسيق أمني مع العدو الإسرائيلي كاشفاً عن خطة لاصطياد قادة المقاومة ، وقدم دليلاً على تنفيذ العدو الصهيوني لعمليات اغتيال بعد تنسيق مع القناة لاستضافتهم لإجراء مقابلات، وكانت فخ تمثل في تحديد مواقع بعض القيادات المقاومة من خلال برامج اللقاءات، خصوصًا بعد عدة استهدافات تلت ظهورهم مباشرة على شاشة القناة.

 

هل تغيّر الخط التحريري بإيعاز سياسي؟

بالنظر إلى أن قناة الجزيرة تموَّل وتدار من الدولة القطرية، فإن التغييرات في السياسة الخارجية القطرية منذ 2018، وتوجهها نحو الانحياز للقضايا المرتبطة بالسياسة القطرية، فإنها قدمت نفسها كمحايد في كثير من ملفات المقاومة، لتكون إثبات بأن الإعلام لا يتحرك من فراغ، ما يعكسه اليوم من خطاب، هو مرآة لتحوّلات سياسية تقف خلفه،

المشروع الإعلامي للجزيرة في خدمة المشروع السياسي

ماذا يعني أن تتحول قناة بهذا الحجم من منصة مقاومة إلى منبر “تطويع” سياسي؟

التمهيد النفسي للتسوية، عبر طرح الحلول كأمر واقع لا مفر منه، ونزع شرعية المقاومة، من خلال تغييب أصواتها أو شيطنتها ضمنيًا، دعم مقولات وسرديات الاحتلال، عبر المصطلحات المحايدة التي تبرر “الحلول الدولية”.

 

ربما لم تُعلن قناة الجزيرة رسميًا تغيير موقفها من قضية فلسطين، وربما لم يصدر عنها تصريح يدعم خطة ترامب أو سياسات الاحتلال صراحة، لكن التغيير الأعمق لا يأتي أبدًا عبر التصريحات المباشرة، بل من خلال الخطاب، واللغة، واختيار الضيوف، وتوقيت التغطية، والأولويات التحريرية.

وحين تتغيّر هذه العناصر في منبر إعلامي بهذا الحجم، فإن السؤال الذي يفرض نفسه هو:
هل لا يزال هناك شك في أن قناة الجزيرة مرتبطة بخطة العدو الصهيوأمريكي كوسيلة ناعمة لتصفية القضية الفلسطينية؟

المصدر: موقع يمانيون