غزة الفاضحة وامتحان الأُمَّــة بين الصمود والخيانة

البيضاء نت | مقالات 

بقلم / شاهر أحمد عمير

امتحان غزة سيظل شاهدًا خالدًا في التاريخ: من وقف مع فلسطين ومن خانها، من اختار الصبر والجهاد ومن سقط في مستنقع العمالة والتطبيع.

قال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ﴾ [محمد: 31].

الابتلاء سنة إلهية ثابتة، وامتحان تتعرى فيه المواقف وتتكشف فيه الحقائق. به يظهر الصادق في إيمانه وجهاده، ويميز الله به الصفوف بين من يقف مع الحق ومن يتخاذل أَو يبرّر خيانته. واليوم، تمثل غزة الفاضحة الامتحان الأكبر للأُمَّـة العربية والإسلامية، فهي التي كشفت زيف الشعارات وأسقطت أقنعة طالما حاولت بعض الأنظمة والجهات الاختباء خلفها.

لقد أثبتت غزة أن القضية ليست مُجَـرّد معركة عسكرية بين مقاومة باسلة واحتلال غاشم، بل هي معركة وعي وإرادَة وصمود. فمن وقف مع غزة اليوم إنما يقف مع القيم الكبرى للأُمَّـة، مع الحرية والكرامة والعدل، ومن خذلها فقد أعلن انسلاخه من أبسط معاني العروبة والإسلام، وارتمى في أحضان الصهيونية والاستكبار.

في هذا المشهد التاريخي، يبرز موقف الشعب اليمني وقواته المسلحة كأحد أنصع المواقف الداعمة لفلسطين ومقاومتها. فعلى الرغم من العدوان والحصار والأزمات الداخلية، لم يتراجع اليمنيون عن موقفهم المبدئي الثابت، بل أكّـدوا بالقول والفعل أنهم حاضرون لنصرة فلسطين بدمائهم وأرواحهم، وبما توفر لديهم من قدرات عسكرية أثبتت جدارتها في المعركة المفتوحة مع العدوّ الإسرائيلي في البحر الأحمر. هذا الموقف اليمني ليس موقفًا عابرًا، بل هو امتداد طبيعي لثقافة إيمانية أصيلة، عبّر عنها السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي في خطابه الدائم حول مركزية القضية الفلسطينية؛ باعتبَارها قضية الأُمَّــة الأولى.

وفي المقابل، جاءت مواقف بعض الأنظمة العربية صادمة ومخزية، فبدل أن تكون عونًا لفلسطين أصبحت جزءًا من الطوق المفروض على غزة، تارة بالتطبيع وتارة بالصمت المريب. لقد فشلت هذه الأنظمة في أول اختبار حقيقي يميز بين الأُمَّــة الحية والأمة الميتة، فبانت حقيقتها أمام شعوبها وأمام التاريخ.

إن غزة اليوم ليست مُجَـرّد جغرافيا محاصرة، بل هي ميدان الامتحان الذي تُقاس به الأُمَّــة. فهي التي فرزت الصفوف: كشفت المجاهدين الصابرين من أبنائها وأبناء الأُمَّــة، وأظهرت المنافقين والمتخاذلين ممن اصطفوا مع العدوّ أَو ارتضوا الصمت في زمن يستصرخ فيه المستضعفون.

لقد وعد الله سبحانه وتعالى بالنصر والتمكين لعباده المؤمنين المجاهدين، وما يجري اليوم ما هو إلا خطوة في طريق الوعد الإلهي الذي يقترب يوماً بعد يوم. ومع كُـلّ قطرة دم تسيل في غزة، ومع كُـلّ صاروخ تنطلق به المقاومة الفلسطينية، ومع كُـلّ عملية نوعية تنفذها القوات المسلحة اليمنية نصرةً لفلسطين، يتأكّـد أن المستقبل لهذا الخط، وأن الخذلان والانبطاح لا يمكن أن يكون له مكان في معادلة الغد.

إن امتحان غزة سيظل شاهدًا خالدًا في التاريخ: من وقف مع فلسطين ومن خانها، من اختار الصبر والجهاد ومن سقط في مستنقع العمالة والتطبيع. وسيكتب التاريخ أن الشعوب الحرة، وفي مقدمتها الشعب اليمني، لم تخذل غزة، بل وقفت حيث يجب أن تقف، جنبًا إلى جنب مع المقاومة الفلسطينية، حتى يتحقّق وعد الله، وينهزم الباطل مهما بدا متغطرسًا ومتفوقًا.