مُسلَّمَة «غـزة» لا نظرية «عنترة»..
البيضاء نت | مقالات
بقلم / عبدالمنان السنبلي
بعد أكثر من أربعة عشر قرنًا ونيف من تقديم عنترة العبسي لنظريته حول الشجاعة والإقدام ومواجهة وملاقاة العدوّ، تلك النظرية التي يقول فيها:
(كنت أقدم إذَا رأيت الإقدام عزمًا، وأحجم إذَا رأيت الإحجام حزمًا، ولا أدخل إلا موضعًا أرى لي منه مخرجًا، وكنتُ أعمد إلى الضعيف الجبان، فأضربه الضربةَ التي يطير لها قلب الشجاع، فأثني عليه فأقتله).
بعد هذه الفترة الطويلة كلها، ها هي «غـزة» هاشم اليوم، ومن خلال مشروعٍ ثلاثيٍّ مشتركٍ ضم كلًّا من غـزة واليمن وجنوب لبنان، تخرج على العالم كله معلنةً رسميًّا وعمليًّا دحض هذه النظرية.
لطالما ظلّ الأمريكيون والإسرائيليون وكل الجبابرة والمتغطرسين في العالم يؤمنون بصحّة نظرية «عنترة» تلك، فلا يعملون ويتعاملون إلا بها، ولا يبنون سياساتهم العسكرية والاستعمارية إلا على أَسَاسها.
هل سمعتم يومًا أن أمريكا – مثلًا – قد تجرأت أَو استباحت سماء أَو أرض دولةٍ نِدٍّ أَو مكافئةٍ لها عسكريًّا واقتصاديًّا، أَو انتهكت سيادتها أَو تعدّت على مصالحها؟
لا يمكن أن تفعل ذلك، رغم خلافاتها المعلَنة وصراعاتها الظاهرة والواضحة والطويلة مع كثيرٍ من أندادها وأكفائها كروسيا والصين..!
كل ما تفعله فقط أنها تواجههم ولكن في بلدانٍ وأماكن وبؤرٍ ضعيفةٍ أُخرى، وعلى وفق نظرية عنترة.
فخلال ما كان يُعرف بالحرب الباردة – مثلًا – نلاحظ أنها لم تواجه الاتّحاد السوفيتي مباشرة، وإنما واجهته باستهداف بلدانٍ ضعيفةٍ أَو محسوبةٍ عليه كفيتنام وكوبا وغيرها.
وكذلك فعلت مع العالم العربي والإسلامي أَيْـضًا.
عندما قرّرت السيطرة والاستحواذ على القرار العربي والإسلامي وإخضاعه لسياساتها ومصالحها، ذهبت إلى العراق وأفغانستان؛ فضربتهما الضربة التي خَرَّت لها قلوب الحكام العرب والمسلمين، وأتوها طائعين ومنبطحين.
وكذلك كانت تفكر (إسرائيل) أَيْـضًا.
لكن ما بُني على باطلٍ فهو باطل – أَو كما يقولون – فاستمرار العمل بنظرية «عنترة» لزمنٍ طويل لا يعني أنها النظريةُ الأصوب أَو المعادلة الأرجح والأنجع لتحقيق المصالح والأهداف، وإنما غياب وعدم التوصل إلى نظريةٍ أَو مُسلَّمةٍ تدحضها وتفندها هو الذي جعلها تبدو كذلك.
فـ«نيوتن» استمر العملُ بنظريته حول الزمن لأكثر من مئتي سنة، وكان يُعتقد أنها الأرجح والأصوب، حتى أتى آينشتاين ودحضها بنسبيته الشهيرة ووضعها جانبًا.
كذلك الأمر أَيْـضًا بالنسبة لنظرية «عنترة»؛ استمر العمل بها طويلًا جِـدًّا حتى أتت اليوم «غـزة» بالنظرية التي دحضتها، وأكّـدت على بُطلانها وعدم صوابيّتها، فألقتها جانبًا.
وهذه النظرية – أَو المُسلَّمة بالأحرى – التي أتت متناسبةً مع مضمون القاعدة القرآنية التي تقول: ﴿كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله﴾، هي ذات النظرية التي مكّنت اليمن من إفشال العدوان الأمريكي والبريطاني والإسرائيلي عليه، وحزب الله من إفشال العدوان الإسرائيلي عليه.
ماذا يعني هذا؟
يعني حقيقةً واحدةً فقط، هي أن ما بعد هذه النظرية أَو المُسلَّمة لا يمكن أن يكون كما قبلها.
وأن من يعمل بنظرية «عنترة» في وجود نظرية «غـزة»، كمن يعمل بنظرية «نيوتن» في وجود نسبية آينشتاين.
رُفعت الجلسة.