الشهيد الغُمَاري.. قائدُ التوازن في زمن الاختلال
البيضاء نت | مقالات
بقلم / عبد القوي السباعي
بزغ اسمُ القائد الجهادي الكبير محمد عبدالكريم الغُمَاري، من ضوءٍ ودمٍ وموقف؛ فكان عنوانًا للثبات ومرادفًا للعقيدة الجهادية الصُلبة، وقائدًا للتوازن في زمن الاختلال، ورمزًا تحرريًّا في زمن الاحتلال؛ مضى ثابت الخطى، عميق الرؤية، عظيم البأس، لا يلين أو يكل أو يمل، وكما عاش مجاهدًا، رحل شهيدًا.
كان هادئًا كالإيمان، صارمًا كالقَسَم، يعرف متى يتكلّم ومتى يصمت، ومتى يحوّل الصمت إلى صاعقةٍ تحرق الأعداء؛ فصاغ في وجدان المجاهدين قناعةً بأنَّ العدوّ يُواجه بالصبر واليقين أنّ النصر وعدٌ إلهيّ لا ينكسر أمام العواصف والمؤامرات، وفي كل ظهورٍ له، كان يحملُ لُغةً تُنبت من بين الحروف عزيمةً لا تُقهر، ودائمًا ما يقول: لن نساوم في قضايا الأمة، ولن نترك فلسطين وحدَها، ولو واجهنا الدنيا بأسرها.
القائد الغُمَاري كان بحق مدرسة قيادة كاملة أرسّت لفكرٍ عسكريٍ قرآنيٍ يجمع بين هندسة المعركة الحديثة وإيمان العقيدة الأصيلة، ومن خنادق صعدة إلى جبهات الداخل والساحل، ومن خطوط البحر الأحمر إلى فضاء الردع الباليستي والفرط صوتي، كانت بصماته تلّج في كل تفصيلٍ عسكريٍ يمنيٍ يُرعب العدوّ ويُلهم الحليف.
ومن بين جدران القيادة، كان القائد الغُمَاري العقل المدبّر لعمليات الردع اليمني، ومهندس التوازنات الجديدة في أعالي البحار؛ فغيّر قواعد الاشتباك وجعل من اليمن لاعبًا استراتيجيًّا لا يمكن تجاوزه، رؤاهُ كانت صواريخ ومسيرات، كلماته حديد ونار، رسائله بيانات وعي وإيمان وسيادة، وكان يعرف أنَّ السلاح حين يحمل البوصلة القرآنية يصبح أداة تحريرٍ ونصر.
كان أحد الذين نسجوا خيوط التنسيق الدقيق بين العقل والسلاح، بين السياسة والجهاد، بين التكتيك والإيمان، بين التكنيك والعتاد الحربي والثقة بمعية الله، وحين كان يتحدث عن العدوّ الإسرائيلي، كان يراه خصمًا قريبًا وهدفًا يسيرًا، لا تعنيه المسافات ولا تعجزه حدود الجغرافيا ما دامت على طريق القدس والأقصى والمسرى، مؤمنًا بأنَّ اليمن هي من ستصنع “وعد الأخرة”.
حين استُهدف القائد الغُمَاري، ظن العدوّ الجبان أنّهُ سيطوى صفحته، غير أنَّ الشهيد قد أنشأ آلاف النسخ من المجاهدين، تحمل دمه ومنهاجه، وتخلّد في الوعي الجمعي للمجاهدين كرمزٍ للقيادة المسؤولة، التي تسبق الصفوف، وتحتضن الميدان، وتُدير العاصفة بعينٍ يقظةٍ وضميرٍ حيّ؛ فكان -رضوان الله عليه- بحق عنوانًا للثقة بين القيادة الثورية والميدان.
لقد خاض القائد الغُمَاري معاركه بروح القائد القرآني الذي يرى في الشهادة استمرارًا للحياة، وعبورًا إلى النصر الأبدي؛ فرحل مبتسمًا كما يليق بالقادة الذين يوسّدون الأرض بجباههم ليُزهر منها مليون مجاهد مقاتل مُقبل غير مُدبر، بعد أنَّ ترك فينا منهجًا لا يموت: أنّ تكون القوّة بقدر الموقف، والموقف بقدر الإيمان.
رحل القائد الغُمَاري بجسده، غير أنَّ روحه الطاهرة ستظل تحكي للأجيال عن أسطورة انبثقت من تراب اليمن لتقول: هكذا يُكتب الخلود للأبطال، وهكذا يُفهم الجهاد، وهكذا تكون النصرة والإسناد، وهكذا تُصنع المعادلات وتأتي التضحيات؛ حين يكون الدم أصدق من كل اللغات.
في وداع القائد الغُمَاري، بكاه السلاح، بكته الثكنات والمتارس، كما بكى عليه الجنود في كل الثغور، ورفرف اسمه في سماء اليمن كقسمٍ جديدٍ على مواصلة الطريق وذات المنهج؛ إذ لم يرحل ليُطوى اسمه في سجلّ الشهداء؛ بل ليفتح صفحةً جديدةً في سجل المجد اليماني الخالد، كتب عليها بدمه الزاكي: القدس وجهتنا، واليمن بُوصلتنا، والنصر وعد الله الذي لا يتخلف.