الشهادة حياة الأمة ووقايتها من الذل والفناء

البيضاء نت | مقالات 

بقلم / محمد عبد المؤمن الشامي

في كل عام، ومع الذكرى السنوية للشهيد لعام 1447هـ، تتجدد أمام أعين الأمة صور التضحية والفداء، لتذكّرنا بأن الحرية والكرامة لا تُنال إلا بالثبات والإقدام في سبيل الحق. إن الشهداء لم يكونوا مجرد أناسٍ عاديين، بل كانوا رمزًا للوفاء لله والوطن، ومثالًا حيًا للعزيمة التي لا تلين في مواجهة العدوان والظلم. ومع كل ذكرى، تتجلى أمامنا حقيقة لا جدال فيها: أن دماء الشهداء صقلت الأمة بالعزة، وزرعت في قلوب أبنائها قيم التضحية والإيمان، لتصبح الشهادة عنوان الحياة الحقيقية، والوقاية الأسمى من الذل والفناء.

 

في كل عام، وفي ذكرى الشهداء السنوية لعام 1447هـ، يُجدّد السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي التأكيد على مكانة الشهداء العظيمة ودورهم الفريد في حماية الأمة والحفاظ على كرامتها. ففي كلمته الموجّهة بمناسبة هذا الحدث، ركّز السيد القائد على ضرورة العناية بأسر الشهداء، والوفاء بالواجب تجاههم، معتبرًا أن هذه المناسبة ليست مجرد ذكرى عابرة، بل هي أسبوع كامل من الفخر والاعتزاز، يذكّر الأمة بدورها في المحافظة على روح التضحية والفداء.

 

أشار السيد القائد إلى أن الأنشطة المتنوعة التي تُقام على مدى أسبوع الشهيد تأتي لتجسّد الاعتراف بالدور الجليل للشهداء، ولتعبّر عن الامتنان العميق لأسرهم التي تحملت ألم الفقد. فالاعتزاز بالشهداء وتقدير أسرهم ليس مجرد شعارات، بل واجب ديني وأخلاقي يربط بين الماضي والحاضر، ويحفز الأجيال القادمة على التمسك بالقيم العليا التي ضحّى من أجلها الشهداء بأرواحهم.

 

وتطرق السيد القائد في كلمته إلى جوهر الشهادة، موضحًا أنها ليست خسارة، بل هي امتياز إلهي وهدية عظيمة، إذ منح الله الشهداء مقامًا رفيعًا لا يبلغونه إلا بالتحرك في سبيله وفق الطريق الذي رسمه الله للإنسانية. وأوضح قائلاً: “المقام الرفيع الذي يحظى به الشهداء هو من المواساة لأقاربهم، وفيه تحفيز للجهاد في سبيل الله مهما كانت المخاطر”. هذه العبارة تعكس فلسفة الشهادة العميقة، إذ أن التضحية في سبيل الله ليست نهاية حياة الفرد، بل بداية حياة أسمى للأمة بأسرها.

 

كما شدّد السيد القائد على أن الشهادة ليست بديلًا عن ثقافة الحياة، كما يروّج البعض، بل هي جوهر الحياة الحقيقية. فالأمة التي تنطلق بروح الجهاد والشهادة هي أمة حية، قوية، ترفض الاستسلام للذل أو القهر، وتثبت أن التضحية ليست فقدًا، بل هي بناء لحياة الأمة وعزتها. وهذا المبدأ ليس مجرد نظرية دينية، بل حقيقة تاريخية، فقد أثبتت الأمم التي تخلى أفرادها عن التضحية والشهادة أنها عانت من النكبات والخسائر الكبرى، وخسرت الملايين من أبنائها في أوقات الاستسلام والانكسار.

 

وأوضح السيد القائد أن الشهادة حياة للأمة ووقاية لها من الفناء مع الذل، وهي في الوقت ذاته مواجهة حقيقية لثقافة التدجين والخضوع التي تجعل الأمة عاجزة أمام أعدائها. فالشهيد بحياته التي وهبها في سبيل الله لا يقدم مجرد تضحية فردية، بل يمنح الأمة قوة ووعيًا وروحًا تعزز من صمودها أمام كل المخاطر. ومن هذا المنطلق، يصبح التكريم والوفاء لأسر الشهداء واجبًا مقدسًا، لأنه يعكس استمرار روح الجهاد والتضحية في قلب الأمة ويغرس قيم المقاومة والصمود.

 

ولم يقتصر حديث السيد القائد على معنى الشهادة الفردية، بل ربطها بالمصير الجماعي للأمة، موضحًا أن الأمة التي تعتز بشهدائها وتعمل على نصرتهم، تبقى أمة حية، لا تُذل ولا تُقهَر. فالشهيد يعلّم الأمة معنى التضحية الحقيقية، ويذكّرها بأن العزة لا تُنال إلا بالتضحية في سبيل الحق، وأن الحرية والكرامة هما الثمن الطبيعي للشجاعة والتفاني في خدمة الله والوطن.

 

وأشار السيد القائد أيضًا إلى تاريخ الأمة، موضحًا أن المراحل التي تخلت فيها الأمة عن الجهاد وترسخت فيها كراهية الشهادة، كانت نتيجة ذلك تعرض الأمة للنكبات، إذ أن الاستسلام وعدم الاستعداد للتضحية أدى إلى خسارة الملايين من الأبناء وفتح الطريق للعدوان والاحتلال. وهنا يبرز الدرس الكبير للأمة: أن الشهادة ليست عبئًا، بل هي ضمانة لاستمرار الأمة وعزتها وكرامتها.

 

وأكد السيد القائد أن أسبوع الشهيد ليس مجرد ذكرى للماضي، بل هو مناسبة لتجديد العهد مع الشهداء، ولتعزيز الالتزام بالمسؤولية تجاه أسرهم، وإحياء روح التضحية والفداء في نفوس الأجيال الجديدة. فالشهداء لم يقدموا أرواحهم فقط، بل أسسوا لأمة قوية لا تذل، ولحضارة تحمل قيم الحرية والكرامة. ويجب على كل فرد في الأمة أن يستشعر المسؤولية التي تقع على عاتقه تجاه هذه التضحيات، وأن يتحرك في حياته اليومية وفق القيم التي ضحى من أجلها الشهداء.

 

فلنتذكر دائمًا أن الشهداء ليسوا مجرد أرقام في سجلات التاريخ، بل هم روح الأمة الحية، ونبراس عزتها وكرامتها. دماؤهم لم تذهب هدراً، بل صقلت الأمة بالثبات والصمود، وغرست فينا قيمة التضحية التي لا تُقاس بالمال أو الجاه، بل بالإيمان والوفاء للحق. إن الوفاء لأسر الشهداء ليس خيارًا، بل واجب مقدس، والاعتزاز بالشهادة ليس شعارًا، بل ثقافة حياة حقيقية تحفظ الأمة من الفناء والذل.

 

لذلك، أيها الأبناء والأجيال، اجعلوا من دم الشهداء عزيمة لا تلين، ومن تضحياتهم قوة تدفعكم إلى الاستمرار في طريق الحق والجهاد في سبيل الله. فالأمة التي تتشبث بقيم الشهادة والتضحية، هي الأمة التي لا تُقهر، والتي تصنع من دماء أبنائها درعًا يحمي حاضرها ويضمن مستقبلها. وكل من يسعى لإذلال الأمة أو محو هويتها، سيكتشف أن الشهداء يعيشون فينا، وأن عزيمتنا مستمدة من تضحياتهم، وأن روح الجهاد باقية لا تموت، مهما حاول الأعداء وخططوا.

 

فالشهيد ليس نهاية، بل بداية حياة أسمى للأمة، وحصن يحميها من الفناء، ووقاية ترفعها فوق كل ذل ومهانة. وعليه، فإن كل دماء زكية سقطت في سبيل الله والوطن هي وعد للأمة أن تبقى حرة، قوية، صامدة، لا تخضع إلا لله، ولا تُقهَر إلا بالمجد والكرامة.