لولا انخفاضُ النخوة لَمَا كان للطقس هذا الأثر في غزة
البيضاء نت | مقالات
بقلم / عبدالله عبدالعزيز الحمران
لم تكن المنخفضاتُ الجوية يومًا أخطرَ من القذائف، ولا أشدَّ فتكًا من الحصار، لكنها في غزة تتحول إلى عدو إضافي؛ لأن المأساة الحقيقية لا تصنعها السماء وحدَها، بل يصنعها صمت الأرض، وتخاذل القريب قبل البعيد.
في غزة، لا يقتل البرد لأنه بارد، بل لأنه عارٍ من الغَيرة العربية.
لا تُغرِق الأمطار الخيام لأنها غزيرة، بل لأنها تهطل على شعب تُرك بلا سند، وبلا نخوة، وبلا موقف يليق بتاريخ أُمَّـة كانت تفاخر بنصرة المظلوم وإغاثة الملهوف.
المنخفض الجوي الذي يمر على غزة ليس حدثًا طبيعيًّا فحسب، بل مرآة كاشفة لانخفاضٍ أشدَّ خطورة:
انخفاضِ منسوب الضمير، وتراجع قيم الشهامة، وغياب الإحساس بالمسؤولية الأخلاقية والإنسانية تجاه شعب يُحاصر ويُجوع ويُقصف ثم يُترك ليواجه المطر والبرد بصدور عارية.
لو كانت الغَيرة حاضرة؛ لما باتت الخيام مأوى دائمًا، ولما تحوّل الأطفال إلى أرقام في نشرات الطقس بدلًا عن أن يكونوا عنوانًا لنجدةٍ عاجلة.
ولو كانت النخوةُ حيّةً؛ لما احتاج أهل غزة إلى أن يناشدوا العالم مع كُـلّ قطرة مطر، وكأنهم يطلبون حقًّا طارئًا لا واجبًا إنسانيًّا ثابتًا.
إن ما يؤلم في مشهد غزة تحت المطر ليس البلل ولا البرد، بل الإذلال المركَّب: قصف من العدوّ، وخِذلان من الأُمَّــة، وصمت من الأنظمة، وتبرير من أبواق الإعلام التي اعتادت تبرير كُـلّ شيء إلا الكرامة.
غزة اليوم لا تختبر قسوةَ الطقس، بل تختبر صدقَ الانتماء العربي، وتفرز المواقف كما تفرز المعادن تحت الضغط؛ فمن بقي صامتًا أمام طفل يرتجف في خيمة ممزقة، فقد سقط أخلاقيًّا، مهما ادعى الحكمة أَو الواقعية السياسية.
إن المنخفضات الجوية ستمُر، كما مرت غيرها، لكن السؤال الذي سيبقى:
هل ستبقى الغيرة منخفضة؟
وهل ستظل النخوة مؤجلة؟
أم أن هذه الأُمَّــة ستدرك يومًا أن أخطر ما يهدّدها ليس العدوّ وحده، بل اعتيادها على رؤية المأساة دون أن تتحَرّك؟
غزة لا تطلب المستحيل، بل تطلب ما تبقى من شرفٍ عربي، إن كان لا يزال موجودًا.