اليمن يقطع مخالب “الصهينة” في القرن الإفريقي

البيضاء نت | مقالات 

بقلم / أحمد الضبيبي 

 

في غمرة الصراع الوجودي الذي تخوضه الأُمَّــة، وتصاعد وتيرة الأطماع الاستعمارية التي لا تحدها حدود، أطلّ العدوّ الصهيوني برأسه من جديد عبر بوابة القرن الإفريقي، معلنًا اعترافه بما يُسمى إقليم أرض الصومال ككيان منفصل.

إن هذا الإعلان هو فعل عدواني غاشم، وطعنةٌ مسمومة في خاصرة الجغرافيا الإسلامية، تندرج ضمن مخطّط تغيير وجه المنطقة وتفتيت المفتت من بلاد المسلمين.

إن التحَرّك الصهيوني الأخير صوب الصومال الشقيق لا يمثل اعترافًا بسيادة، بقدر ما هو استنبات لكيان وظيفي مُهجّن، يُراد له أن يكون خنجرًا في خاصرة العمق الاستراتيجي لليمن.

فبعد الهزيمة النكراء التي تجرعتها الأساطيل الأمريكية وتحالف “حارس الازدهار” في مياه البحر الأحمر، وسقوط هيبة الأُسطورة العسكرية تحت أقدام بأس اليمانيين، بات كَيان الاحتلال الغاصب يبحث عن ملاذات بديلة ومرتكزات جغرافية يعوض بها انكساره المذل.

لقد استطاعت الصواريخ اليمانية والمسيرات التي تفرّي كبد السماء أن تهشم أصنام الوهم المتمثلة في القباب الحديدية والكهرومغناطيسية، وتدك عمق كيان العدوّ بضربات استراتيجية زلزلت أركانه، مما دفعه لمحاولة إيجاد موطئ قدم عند النقاط الحاكمة المطلة على خليج عدن ومضيق باب المندب، في محاولة يائسة لفرض وصاية أمنية على شريان الملاحة الدولية.

وبعد أن أحكمت القوات المسلحة اليمنية طوقًا بحريًا لا يُخترق على الملاحة الصهيونية، يسعى العدوّ اليوم لتحويل السواحل الصومالية إلى أوكار تآمر ومنصات تجسس تستهدف اليمن وعمقه الإفريقي.

لقد دأب العدوّ الصهيوني، برعاية رأس الأفعى أمريكا، على انتهاج سياسة تفكيك العُرى الوطنية عبر النفخ في كير النزعات الانفصالية، لضمان إبقاء المنطقة في دوامة من الصراع المستدام.

إن هذا الإعلان باطل بطلانًا مطلقًا، فالمغتصب الذي لا يملك لنفسه شرعية على أرض فلسطين، لا يملك منح الشرعية لغيره في أصقاع الأرض.

وأمام هذا التغوّل، جاء الموقف اليمني حازمًا، واضعًا النقاط على الحروف في معادلة الردع الإقليمي؛ إذ إن التأكيد على أن أي تواجد إسرائيلي في إقليم أرض الصومال هو هدف عسكري مشروع، يمثل نقلة نوعية في الدفاع عن الأمن القومي العربي والإسلامي.

هذا الموقف ليس مُجَـرّد تضامن عاطفي، بل ضرورة استراتيجية قصوى، فاستباحة الصومال هي استباحة لليمن، وتهديد أمن مقديشو هو تهديد مباشر لأمن صنعاء وعمّان والقاهرة والخرطوم.

اليمن اليوم، بموقفه هذا، يرفع سقف المواجهة ليعلن أن زمن العربدة الصهيونية والأمريكية في البحار والمضايق قد ولى دون رجعة.

إن المسؤولية اليوم تقع على عاتق الأُمَّــة جمعاء، شعوبًا وحكومات، للوقوف في وجه هذا المشروع التدميري سياسيًّا ودوليًّا، ويجب على المؤسّسات الدولية والإسلامية اتِّخاذ موقف حازم ضد هذا الاعتراف الباطل، والضغط على الأطراف المحلية المتواطئة التي باعت سيادتها مقابل وعود صهيونية زائفة.

إن التخاذل عن نصرة غزة وفلسطين هو الذي شجع العدوّ الصهيوني على التمدد نحو الصومال وغيره، فالمعركة واحدة، والعدوّ واحد، والمصير مشترك.

وكما أسند اليمن غزة، لن يكون الصومال وحيدًا في هذه المعركة، واليمن لن يظل متفرجًا، فالأرض التي لفظت الغزاة عبر التاريخ، ستلفظ حتمًا نبتة الصهيونية الغريبة مهما تجملت بزيّ الاعترافات الدبلوماسية.

ما يُحاك في غرف التآمر الصهيونية المظلمة حول القرن الإفريقي ليس إلا زفرة المصدوع الذي تهاوت هيبته تحت وقع الضربات اليمانية المسدّدة، ومحاولة بائسة لاستعادة توازنٍ مفقود في موازين القوى التي أعيدت صياغتها ببارود العزة وكبرياء المواجهة.

وعلى العدوّ الصهيوني ومن خلفه رعاته أن يدركوا يقينًا أن باب المندب لم يعد ثغرًا مباحًا للعابرين بروح الغطرسة، بل أضحى قفلَ الأُمَّــة الذي يفتحه بأس المقاتل اليماني ويغلقه كيفما يشاء دفاعًا عن حياض العقيدة والجغرافيا.

إن اليمن، وهو يقطع مخالب الصهينة في مداها الإفريقي، لا يدافع عن تخومه فحسب، بل يذود عن تراب الإسلام ويحمي المداخل الاستراتيجية من تلوث الأقدام الغازية.

وما هذا الحزم اليمني إلا القول الفصل الذي لا رجعة فيه، فالمعادلة اليوم قد استقامت على وتدٍ صلب: كُـلّ يد تمتد لزرع كيان وظيفي يهدّد أمننا، هي يدٌ مبتورة بحكم الضرورة الاستراتيجية والإرادَة الإيمانية.

وسيعلم العالم أن زمن العربدة الدبلوماسية والصفقات المشبوهة على حساب سيادة الشعوب قد انقضى إلى غير رجعة، وأن التاريخ الذي يكتب اليوم بدماء الأحرار وثبات الصامدين لن يرحم المتخاذلين، ولن يذر للصهيونية موطئًا في بحارنا أَو أرضنا.

فليبقَ العدوّ في تيهه، وليعلم أن نفس الرحمن التي تملأ صدور أهل اليمن، كفيلةٌ بإغراق كُـلّ أحلامه في لجج الانكسار.

ليبقَ اليمن حارسًا أمينًا، وسدًّا منيعًا، ومنارةً لا تنطفئ في وجه أعاصير التفتيت والدمار.