الردع الاستباقي في بيان السيد عبدالملك الحوثي بخصوص “أرض الصومال”
البيضاء نت | تحليل | علي الدرواني
تابعنا قبل منتصف الليلة الماضية، بيانا مهماً للسيد عبدالملك الحوثي بخصوص “أرض الصومال”، لم يكن مجرد بيان لتضامن عاطفي، بقدر ما كان كغيره من مواقف السيد القائد يحفظه الله -بما تمثله تجاه القضايا الاسلامية والعربية- تحولاً جذرياً في طبيعة التعاطي مع الصراعات السياسية؛ إذ لا تنحصر ردود أفعاله في الأطر الدبلوماسية المعتادة، بل تتجاوزها إلى صياغة معادلات ميدانية تفرض واقعاً جديداً على خارطة الصراع. وفي السياق الصومالي، لم يكن هذا البيان مجرد إدانة بروتوكولية للاعتراف الإسرائيلي بإقليم “أرض الصومال” كدولة ذات سيادة، وسلخها عن جمهورية الصومال، بل جاء وثيقةً استراتيجية حازمة لتعريف موازين القوى في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن.
ينطلق هذا الموقف -كما جاء في البيان- من رؤية تعتبر الجغرافيا العربية والإسلامية وحدةً واحدة لا تقبل التجزئة، حيث يرى السيد -يحفظه الله- أن أي تغلغل صهيوني في الضفة الأفريقية المقابلة لليمن تهديدٌ مباشرٌ ومتقدمٌ للأمن القومي العربي عموما، واليمني خصوصا. ومن هنا، يكتسب البيان أهميته من كونه “إعلاناً للحظر الأمني والعسكري” على تحركات كيان العدو في المنطقة، منتقلاً بالصراع من حيز الجدل القانوني حول سيادة الدول إلى حيز الاشتباك المباشر لمنع تثبيت أي نفوذ صهيوني يهدد استقرار المنطقة.
كانت الدول العربية قد اصدرت بيانا أدانت فيه الاعتراف الاسرائيلي، لكنه جاء كنموذج لـ”الدبلوماسية الناقصة” التي أثبتت التجارب التاريخية عدم فعاليتها أمام الكيان الصهيوني، مهما كانت قوة اللغة الخطابية والتعبيرات القانونية، فهي دائما ما تبقى حبيسة الأوراق والمحافل الدولية؛ فهذا الكيان الذي اعتاد ضرب القرارات الأممية بعرض الحائط، لم يرتدع يوماً ببيان تنديد عربي مهما بلغت درجة حدته، وهذا الموقف مع الأسف ليس بعيدا عن تلك المواقف الرسمية، فهو يكتفي بتوصيف “المخالفة القانونية” دون امتلاك أدوات ضغط حقيقية قادرة على كسر الإرادة الصهيونية، ما يجعله موقفاً شكلياً يفتقر إلى التأثير الواقعي في وجه كيان لا يفهم ولا يحترم سوى القوة المادية والنتائج الميدانية.
الفارق الجوهري -بطبيعة الحال- يكمن في كيفية الاستجابة المقترحة؛ فالبيان العربي المشترك اكتفى بتقديم ما يشبه المرافعة القانونية لكن أمام قاض ليس ذا سلطة، فهي مرافعة في الهواء، وإن كانت تهدف إلى عزل الخطوة الإسرائيلية سياسياً ومنع شرعنتها دولياً، فهي تنطلق من خلال عدسة ميثاق الأمم المتحدة و”قواعد السيادة”، أما بيان السيد القائد فقد انطلق من حقيقة أن الكيان الغاصب “اسرائيل” “لا تملك المشروعية لنفسها فكيف بما تعترف به للآخرين”. ومن هنا يذهب السيد مباشرة نحو الردع الاستباقي، محولاً التهديد إلى خطوات عملية استباقية، فمن خلال إعلانه صراحةً أن أي تواجد إسرائيلي في “أرض الصومال” سيعامل كهدف عسكري مشروع، فإنه قد نقل الصراع فارضاً معادلة أمنية تجعل من كلفة التحالف مع الكيان باهظة ومحفوفة بالمخاطر العسكرية.
وعلى مستوى البعد القومي والجيوسياسي، ركز البيان العربي على استقرار منطقة البحر الأحمر من منظور سياسي وإداري، بينما ربط البيان اليمني بين ضفتي البحر الأحمر برباط وحدة المصير، فقد رأى السيد -يحفظه الله- في التغلغل الإسرائيلي محاولة لتطويق اليمن وتفتيت العمق الأفريقي، معتبراً أن الدفاع عن سيادة الصومال هو دفاع أصيل عن أمن اليمن القومي. هذا الربط حوّل القضية من نزاع حدودي إقليمي إلى جبهة اشتباك استراتيجية تهدف لإجهاض مشروع “تغيير الشرق الأوسط” الذي تسعى “إسرائيل” من خلاله إلى خلق دويلات تدور في فلكها.
أما الملمح الأكثر جلاء في الموقف اليمني فقد تمثل في التضامن الفعلي مع الشعب الصومالي، حيث لم يكتفِ بالتهديد العسكري للسلطات المتواطئة، بل قدم خطاب احتواء للشعب في “أرض الصومال”، مؤكدا على نصرة الشعب الصومالي الشقيق وحمايته من الاستغلال الصهيوني. وبذلك، يسعى هذا الموقف إلى خلق بيئة شعبية طاردة للوجود الإسرائيلي، مدعومة بمظلة حماية عسكرية تهدف إلى دفن المشروع في مهده قبل أن يتحول إلى واقع مادي على الساحل الأفريقي.
لم يهدف البيان مباشرة لتعرية المواقف الرسمية العربية؛ إلا أن المواطن في أي بلد عربي إسلامي يعلم أن بيانات التنديد العربية لم تحرر شبراً من فلسطين، ولم تحمِ السودان أو الصومال، لذلك سيرى بيانَ السيد كنموذج للفعل الذي يسبق القول، ما يرفع سقف التوقعات الشعبية ويضع الأنظمة الرسمية في موقف المحرَج أمام شعوبها التي تطالب بخطوات عملية وليس مجرد بيانات إنشائية لا تسمن ولا تغني من جوع.