تحَرّكت جحافلُ الغرب ولم تتحرّك ضمائر العرب

البيضاء نت |  مقالات

 

 

بقلم / عبد الرحمن المختار

 

 

عشرونَ شهرًا انقضت على بدء أفعال جريمة الإبادة الجماعية التي اقترفها ولا يزال يقترفُها الكَيانُ الصهيوني بحق أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وكانت الذريعة التي تذرع بها هذا الكيان المجرم هي عملية السابع من أُكتوبر، التي نفذها (الإرهابيون) الحمساويون في قطاع غزة حسب تضليل هذا الكيان المجرم، ولم يكن في اقترافه لأفعال جريمة الإبادة الجماعية بمفرده، بل إن القوى الاستعمارية الغربية تحَرّكت إلى جانبه وحركت جحافل جيوشها بمختلف صنوفها حول مسرح الجريمة في قطاع غزة، بعد أن تقاطر أكابرُ مجرميها إلى عاصمة كيان الإجرام الصهيوني، ليعلنوا من هناك مواقفَهم ووقوفَهم وبدون سقف إلى جانب هذا الكيان المجرم، وعلى رأس أُولئك المجرمين بايدن رأس الإدارة الأمريكية ووزير خارجيته بلينكن.

 

واعتمادًا على مواقف القوى الاستعمارية الغربية بدأ كيانُ الإجرام الصهيوني تنفيذ أفعال جريمة الإبادة الجماعية بحق أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، قاصدًا ومتعمِّدًا اقترافَ أفعال هذه الجريمة؛ فقد أفصح عددٌ من قادة هذا الكيان المجرم عن مواقفهم من سكان قطاع غزة؛ فمنهم من وصفهم بأنهم حيواناتٌ بشرية، ويجب التعامل معهم على هذا الأَسَاس، ومنهم من طالب بقذف سكان غزة بأية وسيلة خارج جغرافية القطاع، ومنهم من طالب بإلقاء قنبلة ذرية على القطاع والتخلص من جميع الإرهابيين دفعةً واحدة، وعدد آخر من المواقف المشابهة، التي لا تخرج جميعها عن تجسيد نوايا قادة الكيان في اقتراف إبادة جماعية، قبل تنفيذهم لأفعالها فعليًّا على أرض الواقع، ولقد وفَّرت القوى الاستعمارية الغربية ذريعة أُخرى لتغطية جريمة الكيان الصهيوني أسمتها (حق الدفاع عن النفس) هذه الذريعة هي التي أفصح عنها وعبر عنها في زياراتهم إلى عاصمة الكيان المجرم رؤساء دول وحكومات هذه القوى الإجرامية.

 

ومع استمرار وتتابع أفعال جريمة الإبادة الجماعية بحق أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، لم يتحَرّك إخوانهم العرب ولم تَصْحُ ضمائرُهم منذ ذلك الحين وحتى اليوم، باستثناء من وصفهم أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة بإخوان الصدق في اليمن، وثلة من المؤمنين المجاهدين في لبنان والعراق، أما بقية الجغرافيا العربية الواسعة فلم يتحَرّك قاطنوّها لإغاثة وإسناد إخوانهم أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، حتى أُولئك الذين تلتصق جغرافية غزة المكلومة بجغرافية بلدهم والذي يمثل شعبُه أكبرَ شعب عربي لا يفصل بينه وبين غزة سوى سورٍ لا يتجاوزُ قُطْرُه عشرين سنتيمترًا ولا يتجاوز ارتفاعُه ثلاثة أمتار، ورغم ذلك لم يتحَرّك الشعبُ المصري، ولم يصحُ ضميرُه منذ عشرين شهرًا اقترف خلالها كيان الاحتلال والإجرام الصهيوني أفعال جريمة الإبادة الجماعية بشكل مُستمرّ ومتتابع يوميًّا وعلى مدار الساعة، بل إن رئيسَ النظام القائم على الحكم في مصر اقترح على الكيان المجرم في أول فصول الجريمة نقل سكان غزة إلى صحراء النقب، حتى يتمكّنَ من التخلص من حركات المقاومة أَو من أسماهم (الإرهابيين) في قطاع غزة!

 

ولم تكتفِ الأنظمةُ القائمة على الحكم في بقية شعوب الأُمَّــة العربية بالصمت، بل تآمر عدد منها على أبناء الشعب الفلسطيني، ولم يكتفوا بالتآمُر، بل شاركوا بمستويات مختلفة، وبصور متعددة الكيان الصهيوني المنفذ المباشر لأفعال جريمة الإبادة الجماعية، وينطبقُ ذات القول على الشعوب الإسلامية والأنظمة الحاكمة فيها؛ فمواقفها لا تخرج عن الصمت والتآمر والشراكة في جريمة الإبادة الجماعية باستثناء الشعب الإيراني ونظام حكمه، الذي أخذ على عاتقه عبء الدفاع عن أبناء الشعب الفلسطيني منذ ما يقرب من نصف قرن من الزمان.

 

ولتذكير شعوب الأُمَّــة العربية خُصُوصًا والإسلامية عُمُـومًا بقضية الشعب الفلسطيني اقترح المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران الإمام الخميني -رضوان الله عليه- أن يكون آخر يوم من شهر رمضان من كُـلّ عام يومًا عالميًّا للقدس، حتى لا تنسى أجيال الأُمَّــة قضية الشعب الفلسطيني، ولتعمل بكل السبل على تحرير فلسطين والمقدسات الإسلامية من دنس الاحتلال الصهيوني، وكانت الجمهورية الإسلامية سباقة حين قرنت القول بالفعل في تبني الدفاع عن الشعب الفلسطيني، بتدريب وتمويل وتسليح فصائل المقاومة العربية الشعبيّة الفلسطينية، لتتمكّنَ من الاستمرار في مقاومة المحتلّ الصهيوني.

 

ولم تقف الجمهورية الإسلامية عند حَــدِّ الدعم المادي والمعنوي لحركات المقاومة، بل وقفت بكل حزم لإسناد أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة حين أمطرت الكيان المجرم بمئات من الصواريخ البالستية والطيران المسيّر في عمليتَي الوعد الصادق الأولى والثانية، التي غطت كافة النطاق الجغرافي للأراضي المحتلّة، رغم التباعد الجغرافي بين الجمهورية الإسلامية وقطاع غزة إلا أن ذلك لم يمنعها من أداء واجبها على أكمل وجه.

 

وبسبب موقفها المساند لمظلومية أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، عملت القوى الاستعمارية الصهيوغربية بخُبْثٍ على إشغال الجمهورية الإسلامية من خلالِ إثارة عددٍ من المشاكل أهمُّها البرنامجُ النووي، حَيثُ أصدرت الوكالةُ الدولية للطاقة الذرية في اجتماعها الأخير -وبناءً على إيعاز من الإدارة الأمريكية وغيرها من القوى الاستعمارية الغربية- تقريرًا تضمَّنَ عدمَ التزام الجمهورية الإسلامية بالوفاء بالتزاماتها الدولية المترتبة على اتّفاقية منع الانتشار النووي، وكلفت الكيان الصهيوني بتنفيذ هجمة غادرة على الجمهورية الإسلامية سبق التخطيط لها من جانب هذه القوى شملت مهاجمة المنشآت النووية، واغتيال عدد من كبار القادة العسكريين، بأسلحة وتجهيزات أمريكية، ولم تُخْـفِ القوى الاستعمارية الغربية -وعلى رأسها الإدارة الأمريكية- سعادتها الغامرة بنتائج تلك الهجمة الغادرة، وقد اعتقدت هذه القوى الإجرامية خطأ أن النظام الحاكم في الجمهورية الإسلامية بدأ يترنح، وهو في طريق السقوط؛ فبدأت تعبيرات أكابر مجرمي القوى الاستعمارية في إسداء النصح للجمهورية الإسلامية بالاستسلام؛ حفاظًا على ما تبقى وحتى لا تخسر كُـلّ شيء!

 

وبعد أن استوعبت الجمهوريةُ الإسلامية آثارَ تلك الهجمة الغادرة أعلنت بَدْءَ ردها على جريمة الكيان الصهيوني والقوى الاستعمارية الغربية الشريكة له في الجريمة بعنوان عملية “الوعد الصادق 3″، وتصاعدت نتائج وآثار هذا الرد، الذي أصاب كيان الإجرام الصهيوني بالصدمة، وتصاعدت نتائج وآثار وفاعلية هذا الرد رغم أن وسائط الدفاع الجوي التابعة للقوى الاستعمارية الغربية في المنطقة العربية تتصدى للصواريخ والمسيّرات، التي استهدفت الكيان الصهيوني، ولم تكتفِ هذه القوى الإجرامية بعمليات الاعتراض؛ دفاعًا عن الكيان الصهيوني، بل إنها بعد أن أدركت حجمَ الدمار غير المسبوق، الذي أحدثته موجاتُ الهجمات الصاروخية في البنية التحتية العسكرية والاقتصادية لهذا الكيان المجرم بدأت القوى الاستعمارية الغربية الترويج لاحتمالية التدخل المباشر في مواجهة الجمهورية الإسلامية، ويجري الحديثُ حَـاليًّا عن العمل على تشكيل تحالُفٍ دولي لإنقاذ الكيان الصهيوني من الهجمات الإيرانية، ويجري جلبُ حاملات الطائرات والمدمّـرات والسفن العسكرية إلى المنطقة، رغم أن هذه القوى الإجراميةَ هي من زَوَّدَ هذا الكيان المجرم بأحدث الطائرات وأفتك أنواع القنابل والصواريخ، وهي من يعمل على اعتراض الصواريخ المتجهة إلى الأراضي المحتلّة، وهي من يموله ويدافع عنه في مختلف المحافل الدولية، ولم تكتفِ بكل ذلك فهي اليومَ تتداعى لتشكيل تحالف دولي في مواجهة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي دافعت عن كرامة العرب المهدَرة ودمائهم المسفوكة على أرض غزة.

 

ولم يتجاوز دُورُ الأنظمة العربية في أحسن الأحوال الإدانة الشكلية، وبعضُها تجاوز ذلك إلى المبادرة بالوساطة، لخفضِ التصعيد ووقف العمليات العسكرية، كما هو حال دوره في الوساطة بين المجرم الصهيوني مقترف جريمة الإبادة الجماعية والضحية الفلسطيني المقترفة بحقه! ولا يستبعد أبدا إذَا ما تشكل تحالف دولي في مواجهة الجمهورية الإسلامية أن تشترك بعض الأنظمة العربية في هذا التحالف بشكل علني، أما شراكتها بشكل غير علني فهي قائمة؛ فجميع الأنظمة العربية التي تتواجد على أراضيها قواعد عسكرية أمريكية، هي شريكة بالنتيجة في الدفاع عن الكيان الصهيوني المجرم.

 

وأمام كُـلّ هذا الخزي الذي جلبته الأنظمةُ العربية الوظيفية للأُمَّـة، ليس أمام الشعوب العربية من خيار لاستعادة كرامتها وإنسانيتها إلَّا التحَرّكُ في مواجهة القوى الاستعمارية الصهيوغربية وإخراجها من الجغرافيا العربية؛ فلا زوالَ لكيان الإجرام الاحتلال الصهيوني إلَّا بإنهاء الوجود الأمريكي خُصُوصًا والغربي عُمُـومًا من الجغرافيا العربية، ولا تعويلَ في ذلك إلا على وعي شعوب الأُمَّــة بخطورة وجود القواعد العسكرية الأمريكية والغربية على الأراضي العربية، وليتشكل بذلك تحالف شعبي عربي مساند للجمهورية الإسلامية الإيرانية في مواجهة التحالف الغربي المساند للكيان الصهيوني.