اقترب الوعد.. والحقُّ آتٍ لا محالة
البيضاء نت | مقالات
بقلم/ بشير ربيع الصانع
إن العدوَّ -وقد استعلى بطغيانه واستكبر ببطشه- لم يدركْ أن ما يحفرُه تحتَ أقدام الآخرين هو قبره القادم. كُـلّ عدوانٍ له، كُـلّ مجزرة، كُـلّ صاروخ يسقط على الأبرياء، هو مسمارٌ جديدٌ في نعش وجوده. لا يحاربنا بقوة، بل ينهار من داخله كصرح كاذب أوهنه الظلم وأتعبه الزيف.
تلك الدماء التي سالت، ما كانت نزيفًا عابرًا، بل كانت شواهد على وحشيةٍ لم يعرف لها التاريخ المعاصر مثيلًا. كُـلّ قطرة دم في فلسطين ولبنان وسوريا واليمن والعراق، وإيران، كانت لعنة تُطارد هذا الكيان، وتُسجل في صحائفه السوداء أنه طارئ على الجغرافيا، دخيلٌ على التاريخ، غريبٌ عن الفطرة والضمير.
حين فشلت آلته الحربية في كسر إرادَة الرجال، وحين خابت مخطّطاته أمام عزيمة المقاومة، لم يجد أمامه سوى أن يتخبط… فها هو يستهدف إيران، لا لأنه قادر، بل لأنه عاجز عن استيعاب هذه المعادلة الجديدة: أن في هذه الأُمَّــة من لا يُساوِم، من لا يُخيفه تهديد، ولا يُغريه تطبيع.
أيها المتفرجون من شرفات العجز، المتقلبون على أرائك الحياد البارد: لقد دقت ساعة الحساب. وعد الله ليس حبرًا على ورق، بل سنن كونيةٌ لا تحيد. الأرض ستُطهَّر، والحق سيعود، وأُولئك الذين تفرجوا طويلًا سيكتشفون أنهم ما كانوا ينجون من العار، بل كانوا يدّخرونه لأنفسهم ليومٍ لا ينفع فيه الصمت.
ما أبشع أن يُغادر المغتصب الأرض التي دنّسها، وهو مُهان، مدحور، منكسر. لن تكون رحيله هروبًا فقط، بل طردًا إلهيًّا مُهيبًا، وسيطرد من أرضٍ لم تقبله يومًا، وسيرحل تحت وابل الحديد والنار وصرخات المظلومين، وصمود المقاومين، وهدير أقدام العائدين.
الذين ظنوا أن كيان الاحتلال صخرة لا تزول، قد بنوا آمالهم على وهم، وتعلقوا بحبالٍ مقطوعة. لم تكن أمريكا لهم سندًا، ولا كانت (إسرائيل) حليفًا يُعوّل عليه. ركونهم إليها كان هروبًا من الحقيقة، وهروبهم من محور المقاومة كان سقوطًا في هاوية التاريخ. ولقد خسروا… مرتين: خسروا المبادئ، وخسروا الرهان.
إنها لحظة التحول العظيم، اللحظة التي تبدأ فيها الأرض بالحديث… الأرض التي عانت، الأرض التي نزفت، الأرض التي دُنس ترابها بأقدام المعتدين، تستعد لتُعيد تشكيل مستقبلها. فأبشروا، فَــإنَّ الله لا يُمهِّدُ لشيءٍ إلا لعزٍ قادم، وكرامةٍ موهوبة، وانتصار لا يُدانيه شك.
لا وقت للتردّد، ولا مكان للمتخاذلين. إن اللحظة أحرج من أن يُنتظر فيها النائمون. من لم يلتحق اليوم بقافلة الحق، فليتأهب ليكون من الخاسرين غدًا. فالحق يمضي، لا ينتظر، لا يتوقف، ولا ينظر إلى الخلف. والخط الفاصل اليوم: إما أن تكون مع محور الكرامة، أَو أن تُدفن في مزابل الذل والخذلان.
إن هذا المصير ليس انتظارا، بل قدرٌ مكتوب في القرآن، تشهد عليه السنن الربانية، وتؤكّـده مؤشرات الواقع. فليس أمام كيان الاحتلال إلا أن يُطوى كما تُطوى صفحة الكذب حين تُشرق عليها شمس الحقيقة. والعدّ التنازلي ليس أمنية، بل حقيقة تمشي على الأرض.
هذه الأرض لا تقبل إلا الطاهرين، لا تحتضن إلا المؤمنين بكرامتها، الرافعين لراية الحق. وستعود، نعم، ستعود… لمن لم يبيعوا قضيتهم، ولم يُساوموا على حريتهم، ولم يستبدلوا الخلود بالفتات.
إنه زمن النهايات.. نهاية الزيف، نهاية الاحتلال، نهاية التسلّط الأمريكي والإسرائيلي على مقدّرات أمتنا. زمن بداية أُمَّـة قرّرت أن تنهض، أن تسترد إرادتها، وأن تكتب تاريخها من جديد بمداد الشهداء، وحروف المجاهدين، وصوت المستضعفين الذين انتصروا بعد طول انتظار.
والله غالِبٌ على أمرهِ ولكنَّ أكثر الناسِ لا يعلمون.