حين تهتف الشعوب من وراء الجدران: قراءة في الفرَح المكبوت تجاه ضربات إيران لـ “تل أبيب”
البيضاء نت | مقالات
بقلم / عبدالله عبدالعزيز الحمران
الضربة التي اخترقت تل أبيب.. واخترقت معها جدران الصمت
ليست المشاهد المتناثرة في الأيّام الأخيرة – من أعلام فلسطين تُرفع في أسواق الخليج، إلى التكبيرات التي دوّت في أحياء مغاربية مع كُـلّ صاروخ يضرب “تل أبيب” – مُجَـرّد لحظات عاطفية عابرة. هي تجلٍ واضح لانقسام حاد بين الأنظمة وشعوبها، بين توقيعات التطبيع ومشاعر الأُمَّــة المتجذرة، بين المصالح الباردة والعقائد الحارقة.
من الخليج إلى المغرب.. هُتافاتٌ مكبوتة تخرُجُ للعلن
إن العمليات الإيرانية التي اخترقت عمق َ”إسرائيل” مؤخّرًا لم تترك أثرَها فقط على الجبهة العسكرية والسياسية في تل أبيب، بل فتحت جبهة لا تقل حساسية داخل الدول العربية المطبّعة. ما كشفت عنه المشاهد القادمة من هذه البلدان هو أن التطبيعَ لم يستطع اقتلاع الذاكرة الجمعية، ولا إخماد الحنين الشعبي نحو قضية فلسطين.
الفرح لا بإيران.. بل بما تمثّله من كسر للهيبة الصهيونية
فالفرح العارم، حتى وإن لم يُعلن بشكل صريح في وسائل الإعلام الرسمية، عبّر عن نفسه عبر وسائل أُخرى: تكبيرات المساجد، تعليقات مواقع التواصل، رسائل التهنئة المتبادلة، ومقاطع الفيديو التي خرجت من قلب مدن محكومة بقبضة أمنية حديدية.
كُـلّ ذلك يعكس أن الرهان على استبدال “إسرائيل” بديلًا عن القضية الفلسطينية داخل وعي الشعوب قد فشل فشلًا ذريعًا.
الضربات رسائل مزدوجة: لـ “تل أبيب”.. ولمن هرولوا إليها
وما يُلفت الانتباه أكثر هو أن هذا الفرح لم يكن موجَّهًا حصرًا لإيران كدولة، بل لما تمثله تلك الضربات من كسر لحاجز الهيبة الإسرائيلية، ولما فيها من إحياء لرمزية الردع الذي غاب طويلًا في معادلة الصراع. لقد بدت الضربات الإيرانية وكأنها تنطق بما عجزت عنه دول بأكملها: أن اليد الإسرائيلية ليست مطلقة، وأن الزمن قد تغيّر.
الفرح الشعبي.. موقفٌ سياسي بلُغة العقيدة
الفرح الشعبي إذن ليس عاطفيًّا فقط، بل يحمل بُعدًا سياسيًّا وعقائديًّا. إنه إعلانٌ رفض ناعم، لكنه عميق، لمسار التطبيع الذي فُرض على الشعوب من دون استفتاء أَو نقاش. وهو في الوقت ذاته تذكير صارخ بأن الخريطة السياسية التي تُرسم فوق الطاولة في العواصم، تختلف تمامًا عن الخريطة الشعورية التي تسكن قلوب الشعوب.
حين يعجز الخوفُ عن قمع الفطرة
بل الأخطرُ على الأنظمة المطبّعة، أن هذا الفرح الشعبي تم داخل مدن يُمنَعُ فيها التعبيرُ حتى عن الموقفِ الديني من “إسرائيل”، أَو نشر علم فلسطين، أَو إقامة صلاة غائب على شهداء غزة. ومع ذلك، ورغم كُـلّ التضييق، تسلّل الفرح؛ لأَنَّ الفطرة لا تُقمع، والضمير الجمعي لا يموت.
من حق الشعوب أن تفرح.. ومن حق الأنظمة أن تخاف
إن ما يجري اليوم يضعُ الأنظمة أمام حقيقة محرجة: الشعوب ليست في صف التطبيع، وإن صمتت. وهي ليست في خندق “إسرائيل”، وإن تظاهرت بالحياد. ولعل الضربات الإيرانية، وما تلاها من ردود فعل شعبيّة عربية وإسلامية، هي مؤشر على أن زمن تجاهل المزاج الشعبي قد ولّى، وأن زمنًا جديدًا يوشك أن يُولد، من تحت ركام القمع والخوف.