قاعدة العديد.. قلب العدوان الأمريكي ووصمة العار الخليجية
البيضاء نت | مقالات
بقلم / جميل القشم
قاعدة العديد الجوية في قطر تمثل مركزا رئيسيا للعمليات العسكرية الأمريكية في المنطقة، ومن هذا الموقع، انطلقت آلاف الطلعات الجوية التي استهدفت دولا متعددة بينها العراق وسوريا وليبيا واليمن وغزة، وكانت القاعدة بمثابة غرفة تحكم متقدمة لإدارة الحروب الجوية وتنسيق المهام القتالية على امتداد الجغرافيا العربية.
تتمتع القاعدة بتجهيزات عالية التقنية تشمل أنظمة القيادة والتحكم، وتستقبل طائرات القتال والتزود بالوقود، كما تضم وحدات القيادة المركزية الأمريكية التي تُشرف على العمليات في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، وقد رافق ذلك دعم مالي واسع من الحكومة القطرية، شمل بناء وتحديث منشآت القاعدة وتوسيع قدرتها التشغيلية، بما جعل منها نقطة ارتكاز استراتيجية في شبكة الانتشار العسكري الأمريكي في الخليج.
الاستهداف العسكري الأخير الذي طال قاعدة العديد جاء في سياق واضح ومباشر.. الجمهورية الإسلامية الإيرانية أعلنت أن هذه الضربة تشكل رسالة عسكرية وسياسية للولايات المتحدة، باعتبارها صاحبة القرار ومصدر العمليات القتالية التي انطلقت من هذه القاعدة.
التوقيت والدقة والوضوح في التوصيف، كلها مؤشرات تؤكد أن الاستهداف يعبر عن موقف ضد الوجود العسكري الأمريكي، ولا يحمل أي دلالة على نزاع مع الدولة المضيفة أو مع أي طرف عربي أو إسلامي.
الوقائع المرتبطة بقاعدة العديد توضح حجم العلاقة الوثيقة بين التسهيلات الخليجية وبين التدخلات العسكرية الأمريكية، فالأرض التي استخدمت لتأمين الحماية الإقليمية تحولت إلى مركز لإدارة المعارك الجوية، وشكلت حلقة حيوية في تنفيذ السياسات الأمريكية في المنطقة، وقد ساهم هذا الدور في تعزيز التوتر، ورفع كلفة الصراعات التي دفعتها الشعوب العربية على مدى سنوات.
السياق الذي تعمل فيه هذه القاعدة يعكس منظومة أوسع من التفاهمات الأمنية، والمصالح الاستراتيجية التي ربطت واشنطن بعدد من العواصم الخليجية، وتشير تقارير ودراسات إلى أن قاعدة العديد تعد من أكبر القواعد الأمريكية خارج الأراضي الأمريكية، وترتبط باتفاقيات طويلة تشمل التدريب وتبادل المعلومات وتقديم التسهيلات اللوجستية.
هذه الضربة تفتح الباب أمام نقاش سياسي وأخلاقي واسع، حول جدوى هذه القواعد ومدى تأثيرها على الأمن الإقليمي، كما تدفع إلى مراجعة العلاقة بين الموارد الخليجية والسياسات التي تُستخدم بها، فالوجود العسكري الأمريكي في قلب الخليج لم يكن يوما بلا تكلفة، وقد فرض معادلات معقدة تجاوزت المصالح المحلية، وأثرت بشكل مباشر على أمن واستقرار عدد من الدول.
إن استحضار دور قاعدة العديد في هذا التوقيت يعيد النقاش إلى جذور كثير من التحولات التي شهدتها المنطقة، ويربط الأحداث الميدانية بمراكز القرار العسكري، وتأتي هذه الضربة لتسلط الضوء على أهمية مراجعة السياسات الدفاعية، وإعادة النظر في طبيعة التحالفات، وموقع الإرادة الشعبية من مسار الحروب المفروضة.