عناوينُ إنسانية ودوافعُ شيطانية

البيضاء نت | مقالات   

بقلم / د. عبدالرحمن المختار   

لا يكفُّ الكَيانُ الصهيوني المجرم وشركاؤه من القوى الاستعمارية الغربية -وعلى رأسها الإدارةُ الأمريكية- عن الترويج المضلِّل والزائف للأفعال الإجرامية بحق أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ويعملون على تحديث ذلك الترويج باستمرار للتغطية على أفعال جريمة الإبادة الجماعية المقترفة منذ ما يقرب من عامين بشكل يومي وعلى مدار الساعة، وَإذَا ما عدنا بالذاكرة قليلًا لاسترجاع مواقف القوى الاستعمارية الغربية، التي أعقبت عملية طوفان الأقصى، عندما جرى الترويجُ لعنوانٍ عريض وهو (حق “إسرائيل” في الدفاع عن النفس) وتكرّر هذا العنوان على لسان رؤساء الدول والحكومات الغربية، خلال زيارتهم لعاصمة الكيان الصهيوني المجرم.

 

وكان الهدفُ من الترويج لحق (إسرائيل) في الدفاع عن النفس الإيهام بتعرض هذا الكيان المجرم لعدوان يخوِّلُه -وفقًا لأحكام القانون الدولي- حَـقَّ الدفاع عن النفس، وهو عنوان إنساني استخدمه الكيانُ الصهيوني والقوى الاستعماري الغربية الشريكة له في جريمة الإبادة الجماعية لتغطية جريمته المُستمرّة المتمثلة في الاحتلال، والتي تخوِّلُ الشعب الفلسطيني -وفقًا لأحكام القانون الدولي- حق مقاومة المحتلّ بكافة الوسائل، ومنها مقاومة الاحتلال بقوة السلاح، ويحظر القانون الدولي المساس بهذا الحق من جانب دولة الاحتلال؛ باعتبَار أنه يعد أصدق تجسيد حقيقيٍّ لحقٍّ إنساني معترَفٍ به، لدى كُـلّ الأمم والشعوب وهو (حق الدفاع عن النفس) هذا الحق الذي استخدمه الكيان الصهيوني وشركائه من القوى الاستعمارية الغربية بشكل زائف ومخادع ومضلل.

 

ورغم ذلك فقد عملت القوة الاستعمارية الصهيوغربية في ترويجها السابق لإثبات حق الدفاع عن النفس للكيان الصهيوني الإجرامي المحتلّ، ونفي هذا الحق عن الشعب الفلسطيني، الذي تحول حقه في الدفاع عن النفس ومقاومة سلطة الاحتلال إلى إرهاب بفعل الترويج الزائف والمخادع والمضلل من جانب الماكينة الإعلامية الغربية وشريكتها الناطقة بالعربية، ولا تزال تلك القوى الاستعمارية الإجرامية ترفع ذلك العنوان الإنساني إلى اليوم بشكل زائف ومضلل وبدوافعَ شيطانية رغم كُـلّ ما ترتب على ذلك الترويج من إبادة جماعية ودمار شامل لكل مقومات الحياة في قطاع غزة، وهو ما يؤكّـد أن الكيان الصهيوني وشركاءه في الجريمة، يعتمدون في جميع سلوكياتهم الخداع والزيف والتضليل مهما ترتب عليه من مآسٍ تلحق بالإنسانية طالما أن ذلك يخدُمُ الأهدافَ الإجرامية لتلك القوى.

 

وبدلًا عن توصيف أفعال الكيان الصهيوني وشركائه من القوى الاستعمارية الغربية بحق أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة بالإبادة الجماعية، أخذت تلك الأفعال تكييفًا وتوصيفًا مختلفًا تمامًا عمَّا هو قائمٌ على أرض الواقع؛ فقد كرّست الماكينة الإعلامية الإجرامية الغربية ونظيرتها الناطقة بالعربية في ذهنية الرأي العام العالمي أن الحالةَ في غزة هي حالة حرب، والهدف من تكريس هذه الحالة هو تبرير شراكة القوى الاستعمارية الغربية في الجريمة، وإمدَادها للكيان الصهيوني المجرم بشحنات متنوعة من السلاح، ورفد ماليته العامة بالمليارات من الدولارات، وإسناده بالمواقف السياسية في مختلف الفعاليات الدولية؛ بذريعة أن الواجب الإنساني والأخلاقي يقتضي الوقوف إلى جانب من تعرض لعدوان وإعانته على استخدام حقه في الدفاع عن النفس!

 

وتحت هذا العنوان الإنساني (حق الدفاع عن النفس) اقترف الكيان الصهيوني أفعالَ جريمة الإبادة الجماعية بصور متعددة أبرزها الاستهداف المباشر لسكان قطاع غزة بمختلف أنواع القنابل والصواريخ والمدفعية والأسلحة الرشاشة، ووقفت القوى الاستعمارية الغربية في مواجهة كافة الجهود الرامية إلى إدانة الكيان الصهيوني أمام محكمة العدل ومحكمة الجنائية الدولية، باقتراف جريمة الإبادة الجماعية بحق أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وتصدت الماكينة الإعلامية الإجرامية لتلك الجهود باستمرار ترويجها للحالة في غزة بما يخدم الكيان الصهيوني وشركائه في الجريمة، وفي المقابل تجاهلت الماكينة الإعلامية تمامًا المناقشة العميقة لأي توصيف لأفعال الكيان الصهيوني، بأنها تندرج ضمن جريمة الإبادة الجماعية، مكتفية بوصف ما يجري في قطاع غزة بـ (الحرب الإسرائيلية على غزة)!

 

وهدف ذلك الترويج توفير الحماية للكيان الصهيوني وللقوى الاستعمارية الغربية الشريكة له من التبعات المترتبة على اقتراف أفعال جريمة الإبادة الجماعية والشراكة فيها بأية صورة من الصور؛ لتظل الحالة عالقة في ذهنية الرأي العام العالمي وفقًا للترويج المخادع والزائف والمضلل عن حق (إسرائيل) في الدفاع عن النفس، بوصفه حقًّا إنسانيًّا يوجب على الدول إسناد هذا الحق في مواجهة العدوان، ورغم تعرض عشرات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني للقتل المباشر، ومثلهم للقتل بالتجويع، وتعريض مئات الآلاف لأضرار نفسية وجسدية بالغة، ووضع عدد مماثل في ظروف معيشية بالغة الصعوبة والقسوة، إلا أنه لم يترتب على كُـلّ ذلك أي تغيير في الأُسلُـوب الوحشي الهمجي غير الإنساني للكيان الصهيوني وشركائه من القوى الاستعمارية الغربية.

 

واستمر الترويجُ للعناوين الإنسانية وتحديثها بشكل متتابع للتغطية على أفعال ووسائل الإبادة الجماعية لأبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ومن هذه العناوين ما أعلنه مجرم الإدارة الأمريكية ترامب من مخطّط شيطاني إجرامي لتهجير أبناء الشعب الفلسطيني، دافعُه في ذلك -كما عبر عنه في حينه- الإشفاق على سكان غزة؛ كونها لم تعد صالحة للحياة الإنسانية، وأنه ينشد لهم حياة أفضل في دول الجوار أَو أية دول حول العالم توافق على استقبالهم، ومع أن ذلك الطرح كان في وجه حكام العرب والمسلمين مباشرة، وكان الأصل أن يترتب على موقفه ذلك ومخطّطه الشيطاني موقف عربيّ وإسلاميّ حازم على المستوى الرسمي والشعبي يضع حَدًّا للاستخفاف والاستهتار الأمريكي بالعرب والمسلمين.

 

لكن المؤسف أن استهتار ترامب واستخفافه لم يحرك لا الحكام ولا الشعوب العربية والإسلامية، لنصرة الشعب الفلسطيني، وإعلان مواقف رسمية وتحَرّكات شعبيّة واسعة رافضة لتلك المخطّطات الإجرامية المغلفة بعناوينَ إنسانية، بل لقد تم استقبالُ ترامب والاحتفاء به في المنطقة العربية ومنحه تريليونات الدولارات، وكأنه مستحق لكل تلك الحفاوة وكل ذلك التكريم، ولكل تلك الأموال على ما أسداه من خدمات جليلة لشعوب الأُمَّــة العربية والإسلامية رفعت من شأنها بين الشعوب والأمم!

 

ومن العناوين الإنسانية التي رفعتها القوةُ الإجرامية الصهيوأمريكية، والتي تهدف إلى استمرار إبادة أبناء الشعب الفلسطيني بأساليب محدثة ومبتكرة بمسمى (مؤسّسة غزة الإنسانية) التي مثلت مصيدة للشباب من أبناء قطاع غزة، حَيثُ تم بعناية فائقة اختيار مواقع مراكز التوزيع التابعة لتلك المؤسّسة الإجرامية الموصوفة بأنها إنسانية، بحيث يقطع الشباب الفلسطيني المجوَّع مسافات طويلة سيرًا على الأقدام يصابون خلالها بالإعياء والإرهاق، وهو ما سهّل على جيش الكيان الصهيوني مراقبتَهم وقنصَهم، بل وقتلهم بشكل جماعي.

 

وأخيرًا وليس بآخر فقد أنتجت زيارةُ المجرم نتن ياهو للمجرم ترامب إلى وكر الإجرام العالمي المسمى البيت الأبيض خطة شيطانية إجرامية بمسمى (المدينة الإنسانية) في رفح والتي تهدف إلى تجميع وفرز أبناء قطاع غزة وتحديث أساليب ووسائل التخلص منهم بشكل جماعي، ولإضفاء نوع من عدم الرضا الزائف في الداخل الصهيوني عن إنشاء هذه المدينة، ولتصوير الأمر بأنه تام ونهائي؛ فقد ظهرت مواقف معارضة لتمويل إنشاء هذه المدينة من أموال الإسرائيليين، لتنتقل بذلك الكرة إلى مرمى أصدقاء نتن ياهو من الحكام العرب فهم من سيتولى تمويل إنشاء هذه المدينة الموصوفة بأنها إنسانية، والتي من المؤكّـد أنها تهدف إلى استكمال فصول جريمة الإبادة الجماعية بحق أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة بشراكة عربية!