الجوع.. رحلة الحرمان من الغذاء وأثره على الجسم

البيضاء نت | تقرير 

 

يُعرّف الجوع بأنه حالة فسيولوجية ونفسية تحدث عندما يحرم الإنسان من الغذاء لفترات متفاوتة، وقد يكون ناتجًا عن أزمات إنسانية، أو حصار، أو فقر مدقع، أو حتى اختيار إرادي كالصيام. لكن خلف هذا الشعور المألوف تختبئ رحلة قاسية داخل الجسد، تبدأ بإشارات خفيفة وتنتهي بتأثيرات خطيرة قد تودي بالحياة.

المرحلة الأولى: إشارات الاستغاثة

عند مرور ساعات دون تناول الطعام، يبدأ مستوى السكر في الدم بالانخفاض، فيرسل الدماغ إشارات الجوع عبر هرمونات مثل “الغريلين”، ليحث الإنسان على البحث عن الغذاء. في هذه المرحلة، يشعر الشخص بآلام في المعدة، ضعف في التركيز، وتقلبات مزاجية، وهي طريقة الجسم في دق ناقوس الخطر.

المرحلة الثانية: استهلاك المخزون

إذا استمر الحرمان من الطعام لأكثر من 24 ساعة، يبدأ الجسم في استخدام مخزونه من الجليكوجين في الكبد والعضلات لتوفير الطاقة. وبعد نفاد هذا المخزون، يلجأ إلى حرق الدهون، ما يؤدي إلى فقدان الوزن تدريجيًا. ورغم أن هذه العملية قد توفر الطاقة مؤقتًا، فإنها تفرز مواد كيتونية في الدم قد تسبب الصداع، الدوخة، ورائحة نفس كريهة.

المرحلة الثالثة: الهجوم على العضلات

مع استمرار الجوع لأسابيع، يستنفد الجسم الدهون، فيبدأ بتكسير بروتينات العضلات لتأمين الأحماض الأمينية اللازمة للطاقة. هذا يضعف البنية العضلية، يقلل من القدرة على الحركة، ويؤثر على الأعضاء الحيوية مثل القلب.

المرحلة الرابعة: انهيار الجهاز المناعي

يؤدي نقص البروتينات والفيتامينات إلى ضعف جهاز المناعة، فتزداد احتمالية الإصابة بالأمراض والالتهابات. كما تبدأ البشرة بفقدان حيويتها، ويتساقط الشعر، ويصبح الجسم غير قادر على التئام الجروح بسرعة.

المرحلة الخامسة: الخطر على الحياة

في الحالات الحرجة، يتباطأ عمل الأعضاء الحيوية للحفاظ على الطاقة، وقد يحدث فشل في القلب أو الكبد أو الكلى. كما يصاب الدماغ بنقص التغذية، ما يؤدي إلى الهذيان، فقدان الوعي، وأحيانًا الوفاة إذا لم يتم التدخل الطبي العاجل.

الجوع في سياق الأزمات الإنسانية

في مناطق الحروب والحصار، مثل ما يحدث في غزة أو بعض مناطق اليمن، لا يعد الجوع شعورًا مؤقتًا، بل هو حالة مستمرة تهدد ملايين الأرواح، حيث يحرم المدنيون من الغذاء الكافي لفترات طويلة، ما يضاعف معدلات سوء التغذية والوفيات، خاصة بين الأطفال وكبار السن.

ختاماً الجوع ليس مجرد إحساس في المعدة، بل سلسلة من التغيرات البيولوجية الخطيرة التي تقود الجسم نحو الانهيار. ومع أن الإنسان قد يتحمل أيامًا دون طعام، فإن استمرار الحرمان يحوّل الجوع من تجربة مؤقتة إلى مأساة إنسانية مميتة.