تحذير وجودي لا يحتمل التأخير .. لا بقاء بلا هوية

البيضاء نت | تقرير طارق الحمامي 

 

في سياق إقليمي ووطني بالغ الخطورة والتعقيد ، وجه السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي كلمة هامة بمناسبة ذكرى جمعة رجب في العام 1441هـ، تتداخل فيها أبعاد العدوان العسكري، والحصار الاقتصادي، والاستهداف الثقافي والفكري، مع أزمة الهوية والانتماء في العالم الإسلامي عموماً واليمن على وجه الخصوص، وقد شكّلت الكلمة وثيقة فكرية وسياسية تطرح رؤية شاملة لمعنى الهوية الإيمانية بوصفها حجر الأساس في معركة الصمود والبقاء، وهي بمفهومها القرآني المتكامل، تمثل صمام الأمان للأمة، وأساس تماسكها الداخلي، وعامل القوة الأهم في مواجهة مشاريع الهيمنة والاستغلال، وتربط بوضوح بين فقدان هذه الهوية وبين حالة الضياع الحضاري، والتبعية السياسية، والانهيار الاقتصادي، معتبرة أن السيطرة على الأفكار والمفاهيم ونمط الحياة هي المقدمة الطبيعية للسيطرة الشاملة على الشعوب، وهو ما تسعى إليه قوى الاستكبار عبر أدوات الإعلام، والتعليم، والسياسات الثقافية والاقتصادية.

الهوية الإيمانية قضية وجود
أبرز ما أشار اليه السيد القائد في كلمته هو تقديم الهوية الإيمانية باعتبارها ضرورة وجودية للأمة، لا خياراً ثقافياً أو مسألة وجدانية،  فالخطاب يربط بشكل مباشر بين فقدان الهوية الإيمانية وبين الضياع الحتمي للأمة، على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والدلالة المركزية هنا أن الإيمان، وفق المفهوم القرآني كما قدمه السيد القائد، يتحول إلى عنصر حماية، وأداة تحصين أمام الغزو الفكري والثقافي، وشرط لبقاء الأمة مستقلة الإرادة، وبذلك يعاد تعريف الإيمان من كونه منظومة شاملة تنظّم الوعي والسلوك والقرار.

 

الاستهداف الثقافي والفكري كمدخل للهيمنة
قدّم السيد القائد تشخيصاً واضحاً لطبيعة الصراع، باعتباره لا يقتصر على البعد العسكري، بل يبدأ من السيطرة على الأفكار والمفاهيم ونمط الحياة، ويبرز هنا تحليل متماسك لمفهوم الهيمنة الناعمة، حيث يصبح الإعلام، والتعليم، والثقافة، أدوات لاختراق المجتمعات وإفراغها من عناصر المناعة الذاتية، محذراً من حالة الانبهار بالعدو، معتبراً إياها مدخلاً نفسياً للاستلاب، حيث تتحقق السيطرة دون حاجة إلى الاحتلال المباشر،  هذه القراءة تضع معركة الوعي في صدارة التحديات، وتحمّل المجتمعات مسؤولية حماية ذاتها فكرياً وأخلاقياً.

البعد الاقتصادي .. من التبعية إلى الاكتفاء الذاتي
أحد أبرز محاور الكلمة يتمثل في الربط بين الهوية الإيمانية والاقتصاد، حيث يُقدَّم الاقتصاد التابع بوصفه نتيجة طبيعية لفقدان الاستقلال الفكري والإيماني، وينتقد الخطاب النموذج الاقتصادي القائم على تحويل الدول إلى أسواق استهلاكية، ونهب الثروات الخام دون بناء صناعي حقيقي، وتعطيل الإنتاج الوطني والاكتفاء الذاتي، مستشهداً بحال بعض الدول الغنية بالثروات لكنها تفتقر إلى قاعدة إنتاجية مستقلة، في إشارة إلى خلل بنيوي ناتج عن الارتهان السياسي والاقتصادي للخارج.
والدلالة الأساسية هنا أن النهضة الاقتصادية تُعد واجباً إيمانياً، وليست خياراً تنموياً فقط، وأن الاستثمار في الإنتاج الداخلي يمثل شكلاً من أشكال المقاومة وبناء السيادة.

 التجربة اليمنية بين مرحلتين
كما قدم السيد القائد في سياق الكلمة مقارنة واضحة بين مرحلتين، مرحلة التبعية السياسية للولايات المتحدة، ومرحلة ما بعد التحول القائم على الهوية الإيمانية والمشروع القرآني، وفي المرحلة الأولى، يشير إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية، وانهيار المنظومة الأمنية، وتفكك الهوية الوطنية، واستباحة القرار السيادي، أما المرحلة الثانية، فرغم العدوان والحصار، يبرز السيد القائد مظاهر التماسك الاجتماعي، والاعتماد على الذات، وتطوير القدرات العسكرية، واستعادة الشعور بالعزة والكرامة،
هذه المقارنة تؤدي وظيفة تحليلية تهدف إلى إثبات أن الاستقلال الإيماني والفكري يمكن أن ينتج قوة واقعية حتى في أقسى الظروف.

البعد العسكري كنتاج للثبات القيمي
لا يقدّم السيد القائد القدرات العسكرية بوصفها هدفاً بحد ذاته، بل نتيجة طبيعية لمنظومة قيمية متماسكة، فالتأكيد على أن من كان يدمّر بالأمس هو نفسه من يصنع اليوم، يحمل دلالة رمزية عميقة، مفادها أن التحرر من التبعية شرط أساسي لبناء القوة، ويُفهم من هذا الطرح أن القوة العسكرية لا تنفصل عن الاستقلال السياسي ، والإرادة الحرة ، والثقة بالله وبالذات

 

 المسؤولية الجماعية في ترسيخ الهوية
يؤكد السيد القائد أن الهوية الإيمانية ليست مسؤولية جهة واحدة، بل مشروع جماعي يشمل الدولة ومؤسساتها، والنخب الاقتصادية، والإعلام، والمجتمع بكل فئاته، ويبرز هنا التركيز على الدور الاقتصادي لأصحاب رؤوس الأموال، باعتبارهم شركاء في معركة الصمود من خلال توجيه الاستثمارات نحو الإنتاج الداخلي.

 

ختاماً 
تعكس كلمة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي في ذكرى جمعة رجب 1441هـ رؤية شاملة تُعيد الاعتبار للهوية الإيمانية باعتبارها قاعدة للتحرر، وأداة للبناء، ومنظومة متكاملة للحياة، ولا يكتفي بتشخيص الخلل، بل يقدّم إطاراً فكرياً يربط بين الإيمان، والسيادة، والاقتصاد، والقوة، في محاولة لصياغة نموذج مقاوم للهيمنة، قائم على الوعي والاعتماد على الذات،
وبذلك، تتجاوز الكلمة بعدها المناسباتي لتتحول إلى وثيقة تحليلية تعكس توجهاً استراتيجياً طويل المدى في فهم التحديات وبناء المستقبل.