يمن العشق النبوي.. قصةُ ولاء لا تنتهي
البيضاء نت | مقالات
بقلم / بشير ربيع الصانع
في اليمن، تتحوّلُ ذكرى المولد النبوي الشريف إلى سيمفونية عشق لا تخطئها العينُ ولا تخمدُها الأيّام، يومٌ تتزين فيه القلوبُ قبل البيوت، وتزدهرُ الأرواحُ قبل الشوارع. إنه موعدٌ تتنفس فيه الأرض عبق النبوة، وتتلألأُ فيه المآذن بأصوات المحبين وهم يلهجون بالصلاة والسلام على سيد الخلق محمد -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ-، الذي قال الله فيه: {وَمَا أرسلنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}.
لا يكتفي اليمنيون بالزينة والألوان، بل يجعلون المناسبة ميدانًا لتجديد العهد والوفاء، فتراهم يحيونها بالذكر، والإنشاد، وحلقات السيرة التي تعيد إلى الأذهان مشاهد النور الأولى. وجوههم تشع بالبهجة، وألسنتهم تفيض بالحمد، وقلوبهم تمتلئ شوقًا لرسول الله، كأنهم يعيشون لحظة ولادته في كُـلّ عام من جديد.
حُبُّهم للنبي ليس شعورًا طارئًا ولا تقليدًا موسميًّا، بل هو سلوك متجذر في حياتهم، يظهر في أخلاقهم، وصدق تعاملهم، وإيثارهم للحق، واقتدائهم به قولًا وفعلًا، امتثالًا لقوله تعالى: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}. فهو قدوتهم في الصبر والعدل، ونورهم في زمن الظلمات، وسندهم في نصرة المستضعفين. وكيف لا، وهو الذي نصر الضعفاء، ووقف مع المظلومين، وواجه الظالمين بثبات وإيمان لا يتزعزع، حتى صار أمل كُـلّ بائس، وملاذ كُـلّ مكلوم.
هذا النهج الذي خطه الرسول -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ-، حمله اليمنيون في قلوبهم جيلًا بعد جيل. فمنذ أن أرسل النبيُّ رسالتَه إلى أرضهم عبر الإمام علي بن أبي طالب -عليه السلام-، استجابوا لها بلا تردّد، وأعلنوا ولاءهم وإيمانهم بقولهم: “سمعنا وأطعنا”، ليكون ذلك الموقف شاهدًا خالدًا على صدق محبتهم وعمق إيمانهم، ومفتاحًا لعلاقة أبدية عنوانها النصرة والوفاء.
وفي هذه المناسبة المباركة، يستفيد اليمنيون منها لتكون منبرًا تعبويًّا ينهلون فيه من حياة الرسول الأعظم، فيتعلمون من سيرته كيف كان قائدًا حكيمًا، ومربّيًا عظيمًا، ومجاهدًا لا يلين في نصرة الحق.
يربون أبناءهم على قيمه، ويشحذون هممَهم بجهاده، ويستلهمون من قيادته الحكيمة دروس الصبر والثبات ومكارم الأخلاق.
إنها لحظة يجتمع فيها الماضي بالحاضر، ليصوغوا منها قوةً تمضي بهم نحو مستقبل يليق برسالته.
واليوم، كما في الأمس، يجسد اليمنيون هذا الولاء في مواقف عملية؛ يقفون مع المستضعفين، يواجهون الظلم، ويتمسكون بالقيم التي دعا إليها الرسول الكريم. في المولد النبوي، تتجدد فيهم روح التضحية، ويشتعل في قلوبهم نور الاقتدَاء، حتى ليبدو وكأن اليمن بأرضه وسمائه يردّد: “لبيك يا رسول الله، عشقًا وولاءً وصدقًا”.
هكذا يحيي اليمنيون المولد النبوي، ليس كمُجَـرّد ذكرى، بل كعهد يتجدد، وحب يتوهج، واقتدَاء لا ينقطع، في مشهد من الوفاء قلّ أن تجد له نظيرًا في أية بقعة من بقاع الأرض.