ضد الفيتو

البيضاء نت | مقالات 

 بقلم / د . عبدالرحمن المختار

 

انعقد يومَ أمس اجتماعٌ لمجلس الأمن الدولي بناءً على طلب من جانب عدد من الدول، واعترضت الإدارةُ الأمريكية على طلبِ الانعقاد، مبرِّرةً ذلك بأنه يعزِّزُ موقفَ حماس “المتعنت”! والأصل أن يتخذَ المجلسُ قرارًا محدَّدًا أَو يصدر بيانًا على أقلِّ تقدير، طالما أن سببَ طلب الانعقاد واضحٌ ومحدّد، وهو إعلانٌ حكومة الكيان الصهيوني عن خطتها لاحتلال كامل قطاع غزة.

 

يبدو أن أعضاءَ المجلس اكتفوا بمُجَـرّد المناقشة والوصف للحالة، وإدانةِ البعض من ممثلي الدول الأعضاء في المجلس للخطة والخطوة الصهيونية، بينما وجد البعضُ الآخر انعقادَ المجلس فُرصةً لمطالبة حماس ـ وبشكل علني ـ بتسليم سلاحها والاستسلام!

وقد يكون اكتفاءُ أعضاء المجلس بمُجَـرّد المناقشة دون إصدار قرار يجرم خطة حكومة الاحتلال، أَو حتى بيان يدين تلك الخطوة، راجعًا إلى عدم رغبة أعضاء المجلس في إثقال كاهل الإدارة الأمريكية باستخدام ما يسمَّى بحق النقض (الفيتو)، لتسجل بذلك موقفًا جديدًا رافضًا لأي إجراء من جانب المجلس ضد الكيان الصهيوني.

 

وفي الجلسة، انتقدت مندوبةُ الإدارة الأمريكية في مجلس الأمن الدولي مَن وَصَفِ من المتحدثين ما يجري في قطاع غزة بأنه إبادة جماعية وتجويعٌ متعمد، وحمّلت في ذات الوقت حركةَ المقاومة الإسلامية حماس المسؤوليةَ عن التجويع وعن استمرار قتل الفلسطينيين لرفضها تسليمَ سلاحها والاستسلام، وَإذَا ما تم ذلك ـ حسبَ قولها ـ فيمكن وقفُ ما وصفته بالحربِ في غزة في اليوم التالي!

 

ومنذ ما يقرُبُ من عامين، والإدارةُ الأمريكية تدافعُ عن جرائم الكيان الصهيوني في مجلسِ الأمن الدولي، ودفاعها المستميت إنما هو دفاعٌ عن شراكتها؛ باعتبَار أن إدانة الكيان الصهيوني تعد بالنتيجة إدانة للإدارة الأمريكية في الجريمة.

 

ورغم وضوح موقف الإدارة الأمريكية للدول الإسلامية، عربية وغير عربية، فَــإنَّها مع ذلك لم تتخذ أَيَّة خطوة من شأنها تحييد تأثير الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن الدولي، وهذا التخاذل من الدول الإسلامية شجَّع الدول الأُخرى الأعضاءَ في مجلس الأمن الدولي على اتِّخاذ ذات الموقف السلبي؛ باعتبَار أنها ليست معنيةً أكثرَ من الدول الإسلامية بما جرى ويجري في قطاع غزة!

 

وكان يمكن للدول الإسلامية، بعددِها الكبير في منظمة الأمم المتحدة البالغ سبعًا وخمسين دولة، أن توقفَ عضويتَها في المنظمة، وتوقفَ تمويلَها لها، إذَا استمرت الإدارةُ الأمريكية في تعطيل إجراءات مجلس الأمن الدولي العملية في مواجهة الكيان الصهيوني.

 

ويمكنها كذلك أن تهدّدَ بالانسحاب من المنظمة الدولية في حال أصرت الإدارة الأمريكية على مصادَرة قرار المجتمع الدولي لصالح الكيان الصهيوني، وسيكون لموقف كهذا من جانب الدول الإسلامية مجتمعةً تأثيرٌ إيجابي على مواقف الدول الأُخرى، التي ستتشجع وتؤيد موقف الدول الإسلامية.

 

لكن المؤسف أن حالةَ العمالة والخيانة والانحطاط التي عليها الأنظمة الحاكمة في أغلب البلدان الإسلامية، خُصُوصًا العربية منها، قد حيّدت تمامًا كُـلَّ فرصة يمكن من خلالها الاستفادة من العدد الكبير للدول الإسلامية الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة.

 

وكان يمكن -إذَا لم يصدر مجلس الأمن الدولي قرارًا ملزمًا يدين الكيان الصهيوني ويتضمن إجراءات عملية في مواجهته- أن يؤدي الموقف الضاغط للدول الإسلامية السبع والخمسين إلى فرض عزلة دولية على الكيان الصهيوني وعلى الإدارة الأمريكية وكل القوى الاستعمارية الشريكة له في الجريمة.

 

وكان يمكن لأيِّ تحَرُّك إسلامي موحد تجاه الكيان الصهيوني والقوى الاستعمارية الشريكة له في الجريمة أن يؤدي إلى تحفيز جميع الشعوب الإسلامية لتبني مواقف معلنة معادية للكيان الصهيوني والقوى الغربية الاستعمارية الشريكة له في الجريمة، ومن شأن هذا الموقف أن يؤدي إلى مقاطعة شعبيّة تلقائية للمنتجات المختلفة لمصانعها، وهو ما يمثل عاملَ ضغط اقتصاديًّا كبيرًا.

 

ويمكن لموقف موحَّد من جانب الدول الإسلامية السبع والخمسين أن يؤدي إلى تذمُّر شعبي واسع في شعوب الدول الغربية الشريكة للكيان الصهيوني في الجريمة والمؤيدة له، وكل ذلك ممكن الحدوث إذَا تصرفت حكومات الدول الإسلامية بشكل حر ومستقل.

 

وأكثر من ذلك كان يمكن أن يحدث لو لم تكن أغلب الدول الإسلامية، خُصُوصًا العربية منها، منخرطةً إلى جانب الإدارة الأمريكية وغيرها من القوى الاستعمارية الغربية في جريمة الإبادة الجماعية التي يقترف الكيان الصهيوني أفعالَها المباشرةَ بحق أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.

 

ولو كانت حكوماتُ الدول الإسلامية حرة ومستقلَّةً، لأمكنها -على أقل تقدير- ليس الدفاع عن أبناء الشعب الفلسطيني بشكل مباشر، بل وقف شراكة الإدارة الأمريكية وغيرها من القوى الاستعمارية الغربية، ووقف مصادرة الإدارة الأمريكية للإرادَة الدولية باستمرار تعطيلها لمجلس الأمن الدولي ودفاعها عن الكيان الصهيوني المجرم في هذا المجلس باستخدام الفيتو ضد الإجراءات المتخذة في مواجهته!

 

لكن كيف يمكن لحكومات الدول الإسلامية فعل ذلك ـ على فرض أنها حكومات حرة ومستقلة؟

 

يمكن ذلك بكل تأكيد، لكن بشرط أن يتم أولًا إدانةُ الإدارة الأمريكية بالشراكة في جريمة الإبادة الجماعية، وهو ما يمثل الأَسَاس لإزاحة تأثير الإدارة الأمريكية في مجلس الأمن الدولي هي وغيرها من القوى الاستعمارية الغربية الشريكة في الجريمة، وكان يتوجب على الدول الإسلامية منذ البداية إثارة مسؤولية القوى الاستعمارية الغربية الشريكة للكيان الصهيوني في جريمة الإبادة الجماعية.

 

والملاحظ أن الإدارة الأمريكية وغيرَها من القوى الاستعمارية الغربية الشريكة في الجريمة حريصةٌ كُـلّ الحرص على نفي ما يجري في قطاع غزة بأنه إبادة جماعية، ووصف ما جرى ويجري في القطاع بأنه حالة حرب!

 

والإدارة الأمريكية وغيرها من القوى الاستعمارية الغربية الشريكة في الجريمة تدرك تمامًا أن وصف الحالة في قطاع غزة بأنها حالة حرب، يخولها ـ وفقًا لأحكام القانون الدولي ـ تقديم شحنات السلاح للكيان الصهيوني ومختلف أوجه الدعم والإسناد الاقتصادي والمالي والعسكري!

 

أما في حالة جريمة الإبادة الجماعية، فَــإنَّ مُجَـرّد إعلان موقف مؤيِّد للمقترف المباشر لأفعال جريمة الإبادة الجماعية، يجعل من الدولة المؤيدة شريكة في الجريمة في صورة التحريض أَو التآمر، ناهيك عن تقديم شحنات السلاح أَو غيرها من أوجه الدعم المالية والاقتصادية والسياسية!

 

وحول ذلك، وفي تفصيل أوسع، سبق أن كتبتُ موضوعًا بعنوان (الإبادة الجماعية وحقيقة مزاعم الإدارة الأمريكية) نُشر في صحيفة المسيرة بتاريخ 28 إبريل 2024م، وموضوعًا آخر بعنوان (الحالة في غزة حرب أم جريمة) نشر في جريدة الأخبار اللبنانية بتاريخ 30 إبريل 2024م.

 

وإذا ما تم فعليًّا تقديم الإدارة الأمريكية بأنها طرف وشريك في جريمة الإبادة الجماعية بصور متعددة، فَــإنَّه في هذه الحالة يمكن -وفقًا لميثاق الأمم المتحدة- منعها من التصويت على القرارات التي يصدرها مجلس الأمن الدولي، وذلك وفقًا لحكم الفقرة (3) من المادة (27) من ميثاق الأمم المتحدة، التي نصت على أن:

(تصدر قرارات مجلس الأمن في المسائل الأُخرى كافة بموافقة أصوات تسعة من أعضائه، يكون من بينها أصوات الأعضاء الدائمين متفقة، بشرط أنه في القرارات المتخذة تطبيقًا لأحكام الفصل السادس والفقرة 3 من المادة 52 يمتنع من كان طرفًا في النزاع عن التصويت).

 

وفي حال تم التأسيس لمنع الإدارة الأمريكية من التصويت في مجلس الأمن الدولي ومنع تأثيرها على قرارات المجلس، بوصفها عضوًا دائمًا حائزًا لما يسمى بحق النقض (الفيتو)، فَــإنَّه في هذه الحالة يمكن للدول الإسلامية استخدام فيتو مضاد لفيتو الإدارة الأمريكية، والذي قد يؤدي إلى اشتباك هذه الإدارة مع بقية أعضاء المجلس وهي تدافع عن جرائم الكيان الصهيوني في حال قرّر المجلس اتِّخاذ إجراءات منع أَو قمع في مواجهته، فستظهر الإدارة الأمريكية بذلك كدولة مارقة منتهكة لأحكام القانون الدولي.

 

وفي حال تعطلت أعمال مجلس الأمن نتيجة لهذا الاشتباك، يمكن اللجوء للجمعية العامة للأمم المتحدة التي تملك، وفقًا لحكم المادة (5) من الميثاق، وقف عضوية أَيَّة دولة منتهكة لأحكامه، والتي نصت على:

(يجوز للجمعية العامة أن توقفَ أيَّ عضو اتخذ مجلسُ الأمن قِبَلَه عملًا من أعمال المنع أَو القمع، عن مباشرة حقوق العُضوية ومزاياها، ويكون ذلك بناءً على توصية مجلس الأمن).

 

وتملك الجمعية العامة كذلك صلاحية فصل أَيَّة دولة عضو في المنظمة الدولية تكرّرت انتهاكاتها لمبادئ الميثاق، وهو ما تضمنته المادة (6) منه، التي نصت على:

(إذا أمعن عضو من أعضاء الأمم المتحدة في انتهاك مبادئ الميثاق، جاز للجمعية العامة أن تفصلَه من الهيئة بناءً على توصية مجلس الأمن).

 

لكن مؤسف القول مرة أُخرى، إن أغلب الدول الإسلامية، خُصُوصًا العربية منها، مثلما أهدرت قدراتها وإمْكَاناتها المادية والبشرية التي تؤهلها ـ كما عبّر عن ذلك السيد القائد الشهيد حسين بدر الدين الحوثي، رضوان الله عليه ـ “أن تكون أُمَّـة فوق هامات الأمم”، أهدرت كذلك كُـلّ الفرص المتاحة التي يمكن الاستفادة منها في نصرة قضايا الأُمَّــة، في حال تم توظيفها فعليًّا لهذه الغاية، غير أن عمالة وتبعية وارتهان حكومات الشعوب الإسلامية للقوى الاستعمارية الغربية أفقد الأُمَّــة عزتها وكرامتها، وأورثها الذل والهوان.