لبنان ضغوط نزع سلاح المقاومة.. الوجهُ الآخرُ لمشروع (إسرائيل الكبرى)
البيضاء نت | مقالات
بقلم / فهد شاكر أبوراس
تمر اللحظة اللبنانية الراهنة بمنعطف مصيري تتكشف فيه الأوراق وتتضح الخيوط الخفية التي تحيك المؤامرة ضد أُمَّـة بأسرها، فما يطرح اليوم تحت عنوان “تسليم سلاح حزب الله” ليس مُجَـرّد مسألة أمنية داخلية أَو تفاوض سياسي عابر، بل هو في جوهره بوابة رئيسية لمشروع استعماري قديم جديد يهدف إلى تمكين “إسرائيل الكبرى” من ابتلاع لبنان وتجريد الأُمَّــة من آخر أدوات المقاومة الفاعلة.
الضغوط الأمريكية المكثّـفة التي تمارس على بيروت عبر مبعوثيها، والتي تتخذ شكل تهديدات صريحة بقطع المساعدات واستمرار العدوان الإسرائيلي، ليست سوى أدوات تنفيذ لهذا المخطّط.
فـ”ورقة براك” التي قدمت للحكومة اللبنانية، والمرفقة بجدول زمني صارم لنزع السلاح، تعكس بجلاء كيف تحاول واشنطن فرض إرادتها كشرط لانسحاب (إسرائيل) من الأراضي المحتلّة المتبقية، وكيف أن الانسحاب الإسرائيلي الموعود ليس إلا فخًّا يحاك لاستبدال الاحتلال العسكري المباشر بهيمنة سياسية واقتصادية شاملة تحت غطاء “الدعم الدولي” و”إعادة الإعمار”.
رد حزب الله على هذه المسرحية لم يكن مفاجئًا بل كان صرخة مدوية تفضح حقيقة المشروع، فالأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم جاهر بالرفض القاطع ووصف المطالب الأمريكية بأنها تنفيذ للأجندة الإسرائيلية التي تهدف إلى “تسليم البلد إلى متغول إسرائيلي لا يشبع”، بل ذهب إلى حَــدّ التحذير من أن تسليم السلاح في ظل استمرار الاحتلال والعدوان يعني عمليًّا “تسليمه لإسرائيل”، وهذه المواقف ليست مُجَـرّد خطاب سياسي تقليدي، بل تعبير عن حقيقة جيوسياسية عميقة: فلبنان الذي يحمل موقعًا استراتيجيًّا على المتوسط، ويمتلك ثروات غازية مهمة، يشكل حلقة أَسَاسية في حلم التوسع الإسرائيلي الذي لا يخفي قادته أحلامهم بامتداد حدود “أرض إسرائيل الكبرى” من النيل إلى الفرات.
التجارب التاريخية أثبتت أن أي تنازل عن أدوات الردع العسكري، خَاصَّة في ظل غياب جيش وطني قادر على الموازنة، يترجم مباشرة إلى فقدان السيادة وتكريس التبعية، وهو بالضبط ما حذر منه الشيخ نعيم قاسم عندما أشار إلى أن نزع السلاح سيفتح الباب أمام (إسرائيل) للسيطرة على موارد لبنان وثرواته، خَاصَّة في المياه الإقليمية والمناطق الحدودية الغنية بالغاز.
المفارقة المؤلمة تكمن في تجاوب بعض الأطراف اللبنانية الرسمية مع هذه الضغوط، فخطاب الرئيس اللبناني الذي دعا إلى “حصر السلاح بيد الدولة” وقرار مجلس الوزراء اللبناني الذي أقر مبدأ “حصر السلاح”، يشكلان تنازلًا خطيرًا يلعب في الملعب الأمريكي الإسرائيلي.
هذا القبول الرسمي، وإن كان مدفوعًا بالتهديدات الأمريكية بقطع المساعدات وشبح الانهيار الاقتصادي، ينسف المبرّر التاريخي لوجود سلاح المقاومة الذي كرسه اتّفاق الطائف عام 1989 كاستثناء ضروري لمواجهة الاحتلال، ويغفل حقيقة أن (إسرائيل) لم تلتزم يومًا بقرارات الأمم المتحدة، ولا تزال تنتهك السيادة الجوية والبرية اللبنانية يوميًّا.
الأبعاد الإقليمية لهذه المعركة لا تقل خطورة، فـ(إسرائيل) التي تعتبر اللحظة الراهنة “فرصة استراتيجية لاقتناص هزيمة الحزب” بعد الحرب الأخيرة.
إن التصريحات الإسرائيلية المتكرّرة عن “إسرائيل الكبرى” وتهديدات نتنياهو بضم أجزاء من لبنان ليست خيالات نظرية، بل هي أهداف معلنة تدعمها رؤية استعمارية توسعية تجد في “سلاح حزب الله” السلاح الوحيد الذي هزم (إسرائيل) مرارًا، والعقبة الأخيرة التي تحول دون تحقيق حلم التوسع.
لذلك فَــإنَّ المعركة اليوم ليست معركة حزب الله وحده، بل هي معركة مصيرية لكل من يرفض مشروع التطبيع والاستسلام، فما يحدث في لبنان هو نموذج مصغر لما قد تواجهه دول عربية أُخرى إذَا ما نجحت هذه الآلة الضاغطة في كسر إرادَة المقاومة.
في الختام: إن رفض حزب الله تسليم سلاحه ليس تمسكًا بمكاسب طائفية أَو انحيازًا لأجندة خارجية كما يحاول البعض تصويره، بل هو دفاع عن سيادة شعب وأرض ضد مشروع استعماري صهيوني يتربص بالمنطقة، والمقاومة المسلحة، التي أكّـدتها كُـلّ المواثيق الدولية كحق مشروع للشعوب الواقعة تحت الاحتلال، هي الدرع الأخير الذي يحول دون تحويل لبنان إلى ساحة مفتوحة للتوسع الإسرائيلي.
لذلك فَــإنَّ أية خطوة نحو نزع هذا السلاح في هذه اللحظة التاريخية الحرجة ليست فقط استسلامًا للضغوط، بل هي مشاركة فعلية في تمهيد الطريق لـ”إسرائيل الكبرى”، وهو الخطر الأكبر الذي يهدّد ليس لبنان وحده، بل مستقبل الأُمَّــة العربية برمتها.