المولد النبوي بين وعي إسلامي ورعب الأعداء

البيضاء نت | مقالات 

بقلم / عبدالحكيم عامر

 

يُطِلّ علينا كل عام المولد النبوي الشريف كذكرى روحيةٍ عظيمةٍ تعكس ارتباط الأمة بخاتم الأنبياء محمد صلوات الله عليه وآله، وتعيد شحن وجدانها بالمعاني الإيمانية التي تجعلها أكثر ثباتًا في مواجهة التحديات، لكن في المقابل، تظهر هذه المناسبة دائمًا كابوسًا يقضّ مضاجع الوهابية والمُطبّعين والإسرائيليين والأمريكيين، الذين يجدون في حب النبي الأعظم سلاحًا حضاريًا يهدد مشاريعهم.

فمنذ نشأة الوهابية وهي في حرب مفتوحة مع كل ما يوثق صلة الأمة بالرسول الأعظم صلوات الله عليه وآله، فأتباع هذا الفكر التكفيري ينظرون إلى إحياء المولد النبوي كـ”بدعة”، والحقيقة أن هذا الموقف ليس دينيًا بقدر ما هو مُرتبط بمشروع سياسي هدفه إعادة تشكيل الهوية الدينية على نحو يقطع الصلة بين الأمة ومظاهر الارتباط العاطفي بالرسول الأعظم صلوات الله عليه وآله، ولهذا لم يقتصر الأمر على رفض المولد، بل وصل إلى تكفير المحتفلين به ويشنّون حملات تحريض لا تنقطع.

وفي السياق السياسي الراهن، تخشى الأنظمة العربية المُطبّعة مع العدو الإسرائيلي من أي مناسبة تحيي في قلوب الناس روح المقاومة والوحدة الإسلامية، فالمولد النبوي الذي يذكّر الأمَّة بالرسالة المحمدية الجامعة، التي ترفض التبعية والاستسلام، ومن هنا، يصبح الاحتفال بالمولد النبوي في نظر المطبعين تهديدًا لمشاريعهم السياسية القائمة على فصل الشعوب عن جذورها العقائدية والثقافية.

وعلى الجانب الآخر، تنظر الدوائر الغربية والإسرائيلية إلى المولد النبوي الشريف باعتباره مناسبة لتجديد الولاء للرسالة المحمدية، ورمزًا للهوية الجامعة التي قد تترجم إلى قوة سياسية ومجتمعية قادرة على مقاومة الهيمنة والإستكبار، ولهذا تعمل بعض المنابر الإعلامية والفكرية الغربية على تصوير المناسبة باعتبارها “مظهرًا من مظاهر التخلف”، في محاولة لطمس بعدها الحضاري والروحي، بينما الحقيقة أن الأمَّة عندما تلتف حول نبيها، فإنها تبعث برسالة حضارية: أن لها جذورًا راسخة وهوية إيمانية لا يمكن مسخها أو السيطرة عليها.

ورغم هذا الجدل والهجوم، يتسع نطاق الاحتفال بالمولد النبوي عامًا بعد عام في بلدان عربية وإسلامية عدة، بل ويكتسب طابعًا جماهيريًا واسعًا، وبالنسبة للشعب اليمني، فإنهم يقدمون من خلال إحيائهم لمناسبة لمولد النبوي الشريف نموذجًا متفردًا يجمع بين الروحانية والهوية الإيمانية والوطنية تعكس تمسكهم بالرسالة النبوية كقوة دافعة لمواجهة الهيمنة والاستكبار، وهو ما يجعل من المناسبة أن تصبح رسالة إسلامية تُثير قلق الأعداء الذين يرون فيها مؤشرًا على وعي متجذر يصعب كسره.

إن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف كمناسبة إيمانية أصيلة في وجدان الشعوب الإسلامية، ورمزًا لارتباطها بالنبي صلوات الله عليه وآله، وهي عمل جهادي ومقاومة بحد ذاتها، لأنها يعيد الأمَّة إلى مركز قوتها: النبي محمد صلوات الله عليه وآله الذي أخرجها من الظلمات إلى النور، ومن هنا، يمكن فهم لماذا يشنّ الوهابية والمطبعون والعدو الصهيوني والأمريكي كل هذا الهجوم والافتراء، إنهم يرون في إحياء مناسبة المولد النبوي الشريف جبهة وعي وهوية وصمود، فهي تعكس في جوهرها مخاوف من بقاء الذاكرة النبوية حية وفاعلة، لأنها تشكّل ركيزة للهوية الجامعة ومصدرًا لممانعة المشاريع التي تستهدف الأمَّة.