من الإدانة إلى المحاسبة: نقابة المحامين اليمنيين أمام مسؤولية تاريخية
البيضاء نت | مقالات
بقلم / محمد عبد المؤمن الشامي
في لحظة مفصلية من تاريخ اليمن، أصدرت نقابة المحامين اليمنيين بيانًا شديد اللهجة أدانت فيه العدوان الجوي الغادر على العاصمة صنعاء، الذي أزهق أرواح رئيس الوزراء أحمد غالب الرهوي وعدد من الوزراء الأبرياء، وأسفر عن سقوط عشرات المدنيين ودمار واسع للبنية التحتية. هذه الإدانة لم تكن مجرد كلمات، بل تعبير عن موقف وطني صارم يرفض أي انتهاك للقانون الدولي الإنساني وجرائم الحرب، ويؤكد أن هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم.
مع ذلك، لا تكفي الإدانة وحدها. الكلمات مهما كانت قوية لن توقف الطائرات ولا تمنع القتل ولا تعيد الحقوق المسلوبة. لقد أثبتت التجارب في العالم العربي أن النقابات المهنية قادرة على لعب دور محوري في القضايا الوطنية الكبرى، لتتجاوز حدود مهامها التقليدية وتصبح قوة قانونية لا يمكن تجاهلها في الدفاع عن سيادة الأوطان وحقوق الشعوب.
اليوم، تقف نقابة المحامين اليمنيين أمام اختبار تاريخي: تحويل هذه الإدانة إلى أفعال قانونية ملموسة. فالوقوف عند البيان اللفظي لن يحقق العدالة ولن يحمي المدنيين، ولن يردع المعتدين. الطريق إلى المحاسبة الدولية واضح، لكنه يتطلب تخطيطًا دقيقًا وتحركًا منظمًا يربط بين التوثيق القانوني، التحرك الدبلوماسي، وبناء شبكة دعم دولية قوية.
الخطوة الأولى هي فتح قنوات تواصل فعالة مع نقابات المحامين والمنظمات الحقوقية والشخصيات القانونية المستقلة حول العالم، لبناء شبكة من “المحامين الأحرار” التي تتبنى القضية اليمنية وتدافع عنها في المحافل الدولية. هذه الجبهة القانونية الدولية ستكون أداة ضغط حقيقية على الحكومات والمنظمات الدولية لتفعيل القانون ومحاسبة المعتدين.
في الوقت نفسه، يجب توثيق كل الجرائم بدقة واحترافية، من شهادات الشهود، والفيديوهات، والصور، وكل ما يثبت الانتهاكات، لتشكيل ملفات قانونية متكاملة تُرفع إلى المحاكم الدولية، ما يجعل العدالة اليمنية صوتًا لا يمكن تجاهله. كل ملف موثق يمثل خطوة نحو ضمان عدم إفلات المجرمين من العقاب، ويؤكد للعالم أن اليمن لن ينسى دماء أبنائه.
التحرك القانوني الدولي ضرورة ملحة، سواء عبر إحالة الجرائم إلى المحكمة الجنائية الدولية بمبادرة من مجلس الأمن أو الدول الأطراف في نظام روما الأساسي، أو بفتح تحقيقات مستقلة من المدعي العام. كل خيار قانوني يجب أن يُستغل لضمان أن كل من ارتكب جرائم ضد المدنيين سيواجه العقاب، وأن العدالة لن تبقى مجرد شعار يُرفع، بل حقيقة تفرض نفسها على الأرض.
هذا التحرك يجب أن يكون مدعومًا بتحفيز المجتمع المدني والنقابات المهنية الأخرى داخل اليمن وخارجه، لتوسيع دائرة الضغط الدولي وتوحيد الجهود لدعم القضية اليمنية في المحافل القانونية والدولية. جبهة موحدة من المحامين والحقوقيين هي ما سيحول الإدانة من كلمات إلى واقع ملموس، ويمنع المعتدين من استغلال الصمت الدولي أو الضعف القانوني.
اليمن اليوم يحتاج إلى صوت قانوني قوي وواضح في كل محفل دولي، ليؤكد أن الجرائم لن تمر دون مساءلة، وأن سيادة اليمن وكرامة أبنائه خط أحمر لا يمكن تجاوزه. نقابة المحامين اليمنيين أمام مسؤولية تاريخية لتقود هذا الجهد، وتثبت أن وراء كل جريمة حقوقًا لن تضيع، وأن الدفاع عن المدنيين والسيادة الوطنية ليس مجرد شعارات بل التزام قانوني وأخلاقي ووطني.
العدالة ليست خيارًا، بل واجب وضرورة. التحرك القانوني الجاد هو المفتاح لضمان أن الحقوق المسلوبة ستُستعاد، وأن صدى المظالم اليمنية سيصل إلى كل محفل دولي، ليكون رسالة قوية للعالم: اليمن لن ينسى دماء أبنائه، ولن يغفر للمعتدين، وأن العدالة لن تبقى مجرد كلمات، بل واقع يفرض نفسه على الأرض الدولية.
اليوم، الإدانة لم تعد كافية، والمطلوب خطوات فعلية وحاسمة. على نقابة المحامين اليمنيين قيادة هذا التحرك، لتحويل الغضب والصدمة الوطنية إلى قوة قانونية دولية، تؤكد أن العدالة ستتحقق مهما طال الزمن، وأن اليمن سيظل صامدًا، حاميًا لأرضه وشعبه، رافضًا لكل اعتداء ورافضًا لكل تجاوز للقانون الدولي.