ثورة السيادة في مواجهة مشاريع الهيمنة والتطبيع .. قراءة في كلمة الرئيس مهدي المشاط في الذكرى الـ11 لثورة 21 سبتمبر

البيضاء نت | تقرير 

 

في الذكرى الحادية عشرة لثورة 21 سبتمبر، ألقى فخامة الرئيس مهدي محمد المشاط، رئيس المجلس السياسي الأعلى ، كلمة سياسية محورية أعادت تأكيد الثوابت الوطنية والسيادية للثورة، وحددت ملامح الموقف اليمني من قضايا الداخل والخارج، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، والعدوان السعودي الأمريكي المستمر، إضافة إلى تجديد الالتزام بمسار التغيير الجذري وبناء الدولة المستقلة.

 

 

خطاب الرئيس جاء محمّلاً برسائل استراتيجية ذات طابع سيادي، إقليمي، مقاوم، واجتماعي، عاكسًا تطور الثورة من حالة احتجاج شعبي إلى مشروع دولة وموقف حضاري في وجه الهيمنة والتطبيع والاستسلام.

 

 تثبيت شرعية الثورة 

افتتح الرئيس المشاط كلمته بالتأكيد على أن ثورة 21 سبتمبر لم تكن انقلابًا سياسيًا أو لحظة انفعالية، بل جاءت كـ”ضرورة وطنية”، و”حاجة شعبية ملحّة”، بعد أن وصل اليمن إلى مرحلة “الانحدار الوطني”، وفقد القرار السيادي لصالح السفارات الأجنبية، في إشارة واضحة إلى الهيمنة الأمريكية، حيث قال: “قبل ثورة 21 سبتمبر انتقل مركز القرار من دار الرئاسة إلى مبنى السفارة الأمريكية وأصبح السفير هو الآمر الناهي”، ومن خلال هذا التوصيف، أكد فخامة الرئيس نزع الشرعية التاريخية والأخلاقية عن النظام السابق،  بتهمة التفريط بالسيادة الوطنية، وتحويل مؤسسات الدولة إلى أدوات للوصاية والفساد، مضيفًا،  ” النظام السابق أسقط كل الشرعيات وأهدر موارد البلاد وأباح السيادة”.

وبالمقابل، اعتبر أن الثورة أعادت لليمن كرامته، ووضعت البلاد على “طريق الاستقلال والحرية”، مع التأكيد على أن مسار الثورة ليس لحظة غضب عابرة، بل مسار وعي شعبي أصيل.

 

اليمن وفلسطين .. التحام نضالي واستقلال القرار

برز الحضور القوي للقضية الفلسطينية في خطاب هذا العام، حيث وضعها الرئيس المشاط في صلب المشروع الثوري اليمني، مؤكدًا أن: “ثورة الـ 21 من سبتمبر أعادت لليمن دوره التاريخي على المستوى العربي والإسلامي، فكان المبادر لنصرة الشعب الفلسطيني وحاجزًا منيعًا أمام مشاريع التطبيع والهيمنة”.

ووصف وقوف اليمن إلى جانب فلسطين بأنه “من ثمرات الثورة”، ودليل على تحرر القرار الوطني من الوصاية، قائلاً: “وقوف شعبنا مع فلسطين وغزة دليل قوي على أن اليمن تعيش خارج عهد الوصاية الخارجية وتتمتع باستقلال تام وسيادة كاملة”.

وفي لغة شديدة اللهجة، عبّر عن خيبة الأمل من الموقف العربي الرسمي، متهمًا بعض الدول بالتواطؤ، مشيرًا إلى العدوان الإسرائيلي على قطر كرسالة تحذيرية للدول العربية: “الرسالة في العدوان الصهيوني على قطر كانت واضحة للجميع، وهي أن الدور ينتظرهم… إذا لم يستفق الجميع فنحن أمام عدو لا يحتكم لشيء إلا إلى لغة القوة”.

كما أكّد استمرار الضربات اليمنية إلى عمق الكيان الصهيوني، تعبيرًا عن موقف الشعب اليمني، حيث قال: “نُعبّر عن إرادة الشعب اليمني كل يوم بضربات قواتنا المسلحة إلى عمق الكيان الغاصب”.

 

مواجهة العدوان والتحولات العسكرية

رغم الحديث عن مرور عقد من الحرب، أكد فخامة الرئيس المشاط أن اليمن اليوم بات أكثر صلابة وقوة من أي وقت مضى، وأن الثورة صمدت في وجه العدوان والحصار، وقال: “نقف اليوم أكثر صلابة وأشد بأسًا وأمضى إرادة للذود عن بلدنا وردع أي عدوان”.

وفي سياق الحديث عن الجرائم الأخيرة التي ارتكبها “العدو الإسرائيلي” في صنعاء والجوف والحديدة، ربط المشاط بين الداخل والخارج، مؤكدًا أن هذه التضحيات لا تنفصل عن المعركة القومية الكبرى: “نؤكد لشعبنا أن هذه الدماء الطاهرة لن تذهب هدرًا… القوات المسلحة ستنفّذ أقسى الضربات على الكيان الصهيوني المجرم”.

كما دعا المواطنين في المناطق المحتلة إلى مقاومة الوجود الأجنبي، ودعا “دول العدوان إلى تنفيذ التزاماتها تجاه السلام وجبر الضرر”.

 

مسار بناء الدولة اليمنية الحديثة

رغم التركيز على الجبهة الإقليمية والعسكرية، لم يُغفل الخطاب الجبهة الداخلية ومسؤولية الدولة في خدمة الشعب، حيث جدّد الرئيس الالتزام بمسار التغيير الجذري، مؤكدًا: “نؤكد مُضيّنا في مسار التغيير الجذري قدما حتى تحقيق بناء الدولة اليمنية الحديثة والعادلة على درب الشهداء الأبرار”، كما قال:”نجدد التعهد لشعبنا اليمني العزيز بأننا نعمل على استرداد كافة حقوق الشعب والحفاظ على سيادته ومقدراته وثرواته”، وفي لمسة وجدانية، أشاد بصبر وصمود الشعب اليمني، وعلى وجه الخصوص المرأة اليمنية التي وصفها بـ”المجاهدة” و”المناضلة”، قائلاً:  “نشيد بصبر وصمود المرأة اليمنية المجاهدة أمًّا وأختًا في صناعة ملاحم الصمود وغرس ثقافة العزة والكرامة”.

 

الثورة المستمرة .. من الداخل إلى الإقليم

كلمة الرئيس المشاط حملت رسالة واحدة واضحة، الثورة لم تنتهِ، بل لا تزال حيّة ومستمرة، ولها تجليات داخلية وخارجية.

ففي الداخل: تستمر في بناء دولة عادلة ذات سيادة، وفي الخارج: تؤسس لموقف يمني صلب في وجه الكيان الإسرائيلي ومشاريع التطبيع، وفي الواقع العربي: تدعو للوحدة والمقاومة لا للتماهي مع الضعف والخضوع، وقد اختصر الرئيس هذا الاتجاه بقوله: “ثورة الـ 21 من سبتمبر المجيدة لم تكن لحظة غضب، بل مسار وعي؛ لحماية الشعب والسيادة على كل شبر من أراضينا الحرة والمحتلة”.

 

خاتمة

جاءت كلمة فخامة الرئيس مهدي المشاط في ذكرى ثورة 21 سبتمبر هذا العام لتعكس نضج التجربة الثورية اليمنية، وتحوّلها من حالة احتجاج إلى مشروع دولة وموقف حضاري، داخليًا وخارجيًا.

فمن خلال خطابٍ مزدوج المسارات وطني وإقليمي أكد الرئيس أن الثورة لا تزال حيّة، وإن ثمارها تُقطف سياسيًا وعسكريًا واجتماعيًا، رغم الألم والمعاناة، وإن اليمن بات اليوم، بعد أحد عشر عامًا، في موقع الفعل لا رد الفعل.

وبينما تتساقط بعض العواصم في فخ التطبيع والانبطاح، يقدّم اليمن نفسه  كـ”صوت مقاوم” و”خط أحمر” في وجه مشاريع الهيمنة، ومبادرة استراتيجية للدفاع عن فلسطين وقضايا الأمة.

المصدر: موقع يمانيون