“الموساد”.. جهاز المكر والخداع كيف تتحصن الأُمَّــة من اختراقاته؟

البيضاء نت | مقالات

 

بقلم /  بشير ربيع الصانع

 

 

“الموساد” جهاز استخبارات يعتمد أَسَاسًا على الحيلة والتخفي والتلاعب والخداع لتحقيق أهدافه.. قوته المزعومة لا تأتي من امتلاكه عصا سحرية، بل من استغلاله للثغرات في داخل الأُمَّــة، ومن حالة التواطؤ الدولي التي توفر له الحماية والغطاء.

هو جهاز يعيشُ على السرية والتزييف، ويحاول أن يظهر نفسه أكبر مما هو عليه، ليبث الرعب في قلوب خصومه.

إن خطورته ليست في قدرته المطلقة، بل في سعيه الدائم إلى التغلغل من خلال الغدر، وإلى خداع الشعوب عبر أدوات الإعلام والفتنة، وإلى زرع الشك في صفوف الأُمَّــة.

“الموساد” لا يخوض معاركه بشكل مباشر، بل عبر المكر والخداع.

يدير عملياته بالاعتماد على الخديعة: يتقرب ممن يستهدفه عبر شخصيات وهمية، يستخدم شركات واجهة، يختبئ وراء منظمات دولية أَو جمعيات خيرية، ويقدم نفسه أحيانًا كصديق أَو حليف ليتسلل إلى داخل الصفوف.

وهو يعتمد على إيهام الناس بالقوة بينما يعتمد عمليًّا على نقاط ضعفهم، فإذا وجد مجتمعًا مفككًا أَو دولة ضعيفة أَو نخبة فاسدة، استطاع أن يخترقها بسهولة.

واحدة من أدوات “الموساد” الأخطر هي تزييف الوعي.

فهو لا يكتفي بجمع المعلومات أَو اغتيال القادة، بل يعمل على صناعة روايات مضللة تبث عبر الإعلام والسينما والمناهج الدراسية وحتى منصات التواصل الاجتماعي.

هدفه أن يجعل الشعوب ترى العدوّ الإسرائيلي بصورة “دولة متقدمة مظلومة” بينما تصوّر المقاومة في هيئة “إرهاب”.

هذا التضليل لا يقل خطورة عن الرصاصة، لأنه يقتل روح المقاومة داخل النفوس قبل أن يبدأ القتال على الأرض.

“الموساد” يعتمد في تجنيد العملاء على الخداع أكثر من القوة.

قد يقترب من ضحية عبر علاقة صداقة أَو تجارة أَو حتى عمل إنساني، ثم يبدأ بابتزازه أَو إغرائه شيئًا فشيئًا.

كثير من العملاء الذين سقطوا في شباكه لم يسقطوا لأنهم أقوياء أَو لأن الجهاز خارق، بل لأنهم لم يمتلكوا الحصانة الأخلاقية والإيمانية التي تحميهم من الإغراء أَو الابتزاز.

وهنا يتضح أن السلاح الحقيقي ضده هو الوعي القرآني والرقابة الداخلية قبل أي جدار أمني.

“الموساد” لا يعمل لحماية حدود الكيان الإسرائيلي كما يزعم، بل هدفه الحقيقي هو تمهيد الطريق للمشروع الصهيوني الشامل: السيطرة على مقدسات الأُمَّــة، الاستيلاء على ثرواتها، تمزيق مجتمعاتها، وضمان بقاء الكيان الاستيطاني في قلب المنطقة.

ولذلك لا يكتفي بالعمل العسكري، بل يتدخل في الاقتصاد، السياسة، الإعلام، وحتى في النزاعات المذهبية والطائفية، لأنه يعرف أن الأُمَّــة الممزقة أسهل على الاختراق.

كيف نواجه “الموساد” ونتحصن من اختراقاته؟

 هنا لا بد أن يكون الحديث عمليًّا وواقعيًّا:

الوعي القرآني يمثل الدرع الأول في مواجهة موساد الخداع والتلاعب.

يجب أن يدرك كُـلّ فرد أن “الموساد” لا يقتصر عمله على التجسس التقليدي، بل يعتمد على التضليل الإعلامي والابتزاز النفسي، لذلك أصبح نشر الوعي في المدارس والجامعات والمساجد والمنابر الإعلامية ضرورة قصوى.

إلى جانب الوعي، تأتي المناعة الأخلاقية والإيمانية.

كثير من عمليات الاختراق تبدأ من نقاط ضعف شخصية مثل المال أَو الشهوة أَو الخوف.

تقوية الضمير الديني والقيمي وتعزيز مبدأ الولاء والبراء يقطع الطريق على أي محاولة للابتزاز أَو الإغراء، ويجعل الفرد حصنًا منيعا أمام كُـلّ محاولات التسلل والتأثير.

الوحدة الداخلية للمجتمع تمثل خط الدفاع الثاني.

فالتمزق السياسي والطائفي يخلق البيئة المثالية لاختراق أجهزة مثل “الموساد”.

كلما كانت المجتمعات أكثر تماسكًا، كلما صعب على أي جهاز استخباراتي اختراقها أَو التأثير على قرارها.

في الوقت نفسه، الإعلام المقاوم يصبح أدَاة فاعلة لمواجهة التضليل.

لا يكفي كشف الأكاذيب، بل يجب بناء رواية موازية تفضح الجرائم والتزييف وتعيد الثقة إلى الشعوب بمشروع المقاومة.

الرواية الإعلامية القوية تحجب أية محاولة للتلاعب بالرأي العام وتضع الحقيقة في المقدمة.

المتابعة الأمنية والشعبيّة تكمل دائرة الوقاية.

الأمن وحده لا يكفي، بل يجب أن يكون كُـلّ مواطن عينًا يقظة ترصد أي نشاط مشبوه، لأن التجسس لا يواجه فقط بأجهزة المخابرات، بل بوعي المجتمع كله.

يضاف إلى ذلك حماية العلماء والمفكرين، فهم هدف استراتيجي للموساد قبل الأجساد.

توفير بيئة آمنة للمبدعين والخبراء يحمي الأُمَّــة من فقدان عقولها ومصادرها الفكرية.

وأخيرًا، قطع قنوات الاختراق الثقافي والإعلامي أمر ضروري، عبر مراقبة المنظمات المموَّلة والمنصات الإعلامية المشبوهة، وإغلاق الطرق التي يستخدمها “الموساد” كغطاء لنشاطاته، ما يحد من قدرته على التأثير أَو زرع الفوضى داخل المجتمع.

إن أخطر ما في “الموساد” ليس أسلحته ولا عملياته، بل قدرتنا نحن على الاستهانة به أَو تضخيمه.

إذَا بالغنا في تصويره كجهاز أُسطوري نمنحه قوة وهمية، وَإذَا استهنَّا به سمحنا له أن يخترقنا بسهولة.

الموقف الصحيح هو الوعي القرآني: ندرك أنه جهاز يقوم على المكر والخداع، ونعرف أن مواجهته ممكنة بل واجبة إذَا امتلكنا الإرادَة والوعي والمناعة.

بهذا الفهم، يتضح أن “الموساد” ليس سوى ذراع من أذرع المشروع الصهيوني، وأنه مهما بلغ في التزييف والاحتيال فإنه يصطدم بشعوب واعية لا تنخدع، ومجتمعات متماسكة لا تُخترق.

مواجهة “الموساد” ليست مهمة الأجهزة الأمنية وحدها، بل هي مسؤولية أُمَّـة كاملة، تعي عدوها، وتعرف خططه، وتتحصن بالإيمان والوحدة والثبات.