تراث اليمن وتاريخه هدف عسكري .. عشر سنوات تفضح حقيقة العدوان على اليمن

البيضاء نت | تقرير طارق الحمامي 

 

مرّت أكثر من عشر سنوات على بداية العدوان الأمريكي _ السعودي _ الاماراتي، على اليمن، في ما يُعدّ إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية والسياسية في العالم المعاصر،  هذا العدوان لم يدمّر فقط البنى التحتية والمرافق الحيوية، بل استهدف أيضًا تراث اليمن العريق، ما أوقع خسائر فادحة في موروثه الحضاري، فحين يدمّر التاريخ، فإنه لا يدمّر الحجر سب، بل يمسّ الجذور التي تشكّل هوية شعب بأكمله.

هذا التقرير يستعرض أبعاد هذا التدمير الممنهج للمواقع الأثرية والمعالم التاريخية وراء المبررات الواهية التي تُرفع بشأن إعادة الشرعية، ويقدّم بيانات وإحصاءات موثقة عن الأثر الحضاري الذي تعرض له اليمن خلال هذه الحقبة.

 

استهداف متعمد للهوية 

استهداف العدوان للتراث اليمني بهذا الحجم يشير إلى أكثر من مجرد عدوان عسكري، بل إنه جزء من استراتيجية متعمدة لمسح الهوية، ومحاولة استهداف رمزية التراث الثقافي بعدما فشل العدوان عسكرياً من تحقيق ما زعمه من أهداف سياسية، كما ذكرت دراسة حقوقية، أن استهداف المناطق الأثرية كان متعمداً مع سبق الإصرار، في ضرب تراث اليمن كمكوّن من الهوية الجامعة.

هذا الحقد على التاريخ اليمني العريق يعكس مستوى الحقد والانزعاج من حضارة تمتد لآلاف السنين، تحمل في طيّاتها قصة شعبٍ لم يكن مجرد رقعة استراتيجية، وإنما مهدًا للحضارات القديمة، له جذوره وأصالته.

 

دحض أكذوبة إعادة الشرعية .. التدمير كسلاح سياسي

منذ البداية، رفع تحالف العدوان الذي تقوده السعودية والإمارات مبرّر إعادة الشرعية إلى اليمن، مدّعياً أن دوره يستهدف استعادة حكومة معترف بها، لكن الواقع على الأرض يشير إلى أن هذا المبرر لم يكن سوى غطاء لارتكاب جرائم واسعة النطاق، بما في ذلك تدمير التراث الثقافي.

ما يبرهن ذلك الاستهداف الممنهج للآثار، أن دول العدوان لم تقتصر على ضرب البنية العسكرية، بل طال القصف مواقع تاريخية، قصوراً، مساجد، قلاعاً، متاحف، ومباني تراثية أخرى، ما يدل على أن الضرب لم يكن عشوائيًا فحسب، وإنما له بعد استراتيجي وثقافي، وكذلك سرقة ونهب الآثار بالإضافة للقصف، هناك تقارير عن تهريب قطع أثرية من اليمن إلى الخارج، منها دراسة صحفية تشير إلى أن عشرات آلاف القطع تم نهبها، وبعض المصادر تقول إن عدداً من القطع تُعرض في متاحف عالمية، ووفق تقرير نشرته منظمة تابعة للأمم المتحدة، أن بعض المواقع الأثرية اُستخدمت كقاعدة عسكرية أو كمواقع لإطلاق النار، وهو ما يعكس نية تحالف العدوان لاستهداف التراث.

كل هذا يكشف أن ما يُعلن من شرعية، ليس هدفًا في حد ذاته، وإنما وسيلة لتبرير العدوان الذي يمسّ ماضي اليمن ويسعى إلى محو هويته.

 

حجم الدمار الأثري .. بيانات وإحصاءات

من التقارير والبيانات الحقوقية والعلمية، يمكن تجميع بعض الأرقام التي ترسم صورة ظاهرة لحجم الخسارة الحضارية، والتي كشفت أن تحالف العدوان استهدف أكثر من 23 مؤسسة ثقافية، ومتاحف ومعالم تاريخية في ذمار وتعز وصنعاء وإب وحجة  وصعدة ومأرب والضالع، وحتى عدن التي هي عملياً تحت سيطرة المليشيا التابعة له ،

ووفق التقارير، تم تدمير  حوالي 274 موقعًا أثريًا، و1413 مسجدًا، إضافة إلى 367 منشأة سياحية.

 

تداعيات إنسانية وثقافية وأخلاقية

تدمير المعالم التاريخية لا يعني فقط خسارة حجر، بل إنه يمسّ ذاكرة الأجيال، فهذه المواقع هي شهادات حية على إرث الأجداد، وأساليب بناء شعبٍ عاش لقرون، وفنون وحضارات طرّزت تاريخ اليمن.

إن استهداف الإرث الثقافي والتاريخي لأي أمة يُعد جريمة حرب بموجب اتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية (1954)، واتفاقيات جنيف التي تحظر الاعتداء على المواقع غير العسكرية، ومع ذلك، فإن تحالف العدوان لم يكتفِ بالحصار والتجويع، بل امتد ليضرب في عمق ما يُمثل روح اليمن وكرامته التاريخية.

هذا التصعيد ضد التراث يمكن فهمه كجزء من استراتيجية لطمس الهوية الوطنية، خاصة أنه يستهدف مواقع ذات قيمة تاريخية ودينية كبيرة، وليس فقط البنية المدنية الحديثة.

 

ختاماً 

أكثر من عشرة أعوام من العدوان على اليمن لم تكن مجرد حرب عسكرية فحسب، بل عدوان على الذاكرة والتاريخ والهويّة. الدمار الذي لحق بالمواقع الأثرية والمعالم التاريخية هو دليل قوي على أن ما يُعلن من شرعية، لا يتعدى كونه غطاء لعدوان يطال تاريخ اليمن كله، لا شعبه فقط، وحين يُستهدف التراث بهذا القدر، فإن الضحية ليست مواقع حجرية فقط، بل هو الشعب اليمني بأكمله ، إن ما ارتكبه العدوان في اليمن من جرائم بحق الحضارة والإنسانية لن يُمحى من ذاكرة التاريخ، ولن تسقط بالتقادم.